- عبد الرحمن جماعة :: طرابلس
حول نوعية بعض الردود والتعليقات الشعبوية في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا يكون ضررها على شخص الكاتب فحسب، وإنما على المعلق نفسه وعلى الموضوع المعلَّق عليه، حيث أنها تخنزل الموضوع اختزالاً يطمس الفكرة المراد بثها من خلال المقال، وهذا مرجعه إلى النظرة الضيقة والمنحازة ضمن تخندقات قزمية طفولية لا يمكنها أن توسع من نظرتها لترى كل الأفق، ولا يمكنها الإلمام بالخيوط الرئيسة لأي قضية، وإنما تنظر من ثقب حُدد قُطره وزاويته بدقة فائقة من قبل وسائل الإعلام التي يتلقى منها تغذيته العقلية. صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي هي براح يجمع شتى أطياف المجتمع بكل صنوفه ومشاربه ومستوياته العلمية والثقافية وحتى الأخلاقية، وأن هذا الخليط المتلاطم غالباً ما يدفع الكاتب ضريبته من جهتين: الجهة الأولى: هي أن الكاتب قد يُسيء بطرحه الذي قد يُعد فتنة للبعض. الجهة الثانية: هي أن الكاتب يُساء إليه باتهامه بما ليس فيه. وبناء على ذلك فإنني قد انتقيت عينة من بعض تلك الردود والتعليقات الشعبوية، ولم أكن لأفعل ذلك لولا أنها صدرت مِن بعض مَن ينتسبون عنوةَ إلى الثقافة. النوع الأول: وهم من يطعنون في أهمية الموضوع من أصله، وذلك باستخدام أساليب رخيصة تداعب عاطفة القارئ ولا تحترم عقله، ومثال هذا النوع: “الناس تموت في الجبهات وأنت تكتب عن كذا وكذا؟” وهذا النوع من التعليقات يضعك في صورة الشخص المجرد من الإنسانية، بينما المعلق نفسه لم يكتب تعليقه ذلك من خلف تبة، وإنما كتبه وهو متكئ على أريكته مستمتعاً بهواء المكيف المنعش، ولو قام هذا المعلق بمراجعة شريط حياته خلال الأسبوع الحالي لوجد أنه ذهب للتسوق عدة مرات وحضر عرس ابن خالته، وتفرج على مسلسل، وسمع عدداً لا بأس به من الأغاني، أو على الأقل أنه لم يكن جالساً(يشلى) على الأموات !. لكنها المزايدة الفارغة إضافة إلى عجزه عن الرد بحجة مقنعة وببرهان واضح جعلته يلجأ إلى هذه الحيلة القذرة لإسكاتك. النوع الثاني: من يتعامل مع صفحتك الشخصية على أنها صفحة لوزارة من وزارات الدولة، أو مؤسسة من مؤسساتها فيحاول أن يفرض عليك نوع المحتوى الذي ينبغي أن تتضمته، بل وأحياناً يذهب إلى أبعد من ذلك فيحشر أنفه حتى في طريقة عرضك للموضوع، وهذا النوع من الناس يبرز غالباً عندما تكتب عن بلد آخر غير بلدك فيقول مثلاً: “غير نشقوا بهمنا” أو “يا باكي بهم الناس من يبكي بهمك” أو “احنا إيش دخلنا فيهم” أو “هم أدرى بشؤونهم” …إلخ. وهذا النوع من الناس قد انطلق من مسلّمة يقينية بناها في عقله المختل وهي أن الكاتب لا يحق له أن يكتب عن أي بلد غير بلده ما دامت في بلده مشكلة، وبناء على هذه المسلّمة فإنه لا يجوز لكاتب سعودي أن يكتب عن أي بلد غير السعودية لأن السعودية تخوض حرباً في اليمن وهي مهددة بحرب مع إيران، إضافة إلى مشاكل أخرى كثيرة لا يمكن حصرها، وكذلك الأمر بالنسبة لأي كاتب عراقي أو سوري أو فلسطيني أو جزائري أو صومالي… إلخ لكن المسلّمة اليقينية التي انطلق منها المعلق ليست مسلّمة ولا علاقة لها باليقين، إذ لو راجع نفسه لوجد أنه تفاعل إيجابياً مع مواضيع تتنافى مع مسلّمته تلك فقط لأنها توافق هواه وتتماشى مع تخندقاته وتعزف له على الوتر الذي يُطربه. النوع الثالث: وهو من يتعامل معك وكأنك موظف عنده، ويحملك جميل إضافته لصفحتك أو متابعته لك، وهذا النوع يبرز عادة عندما تنتقد شخصية يتبعها أو يقدم لها الولاء، وأمثلة تعليقات هذا النوع: “لماذا لا تكتب عن فلان” أو “فلان فعل كذا وكذا فلماذا لا تنتقده”، وهنا أجدني أبحث عن وجه التلازم بين انتقاد فلان وانتقاد علان، وهل الكاتب ملزم بانتقاد الجميع دون استثناء؟! النوع الرابع: وهو صنف خطير حقير، يقرأ ما كتبته وهو يفتش بين ثنايا المقال عن تهمة يُلصقها بك، وعادة ما تكون هذه التهم جاهزة في جعبته فيختار لك منها واحدة، ومن أمثلة هذه التهم: “علماني”، “ملحد”، “شيعي”، “داعشي”، “إخواني”، “وهابي”، “النظام السابق”، “عديم الوطنية” …إلخ ما تحتويه علبته من تهم جاهزة ومعلبة. النوع الخامس: وهو من يحاول شخصنة الموضوع، ومن أمثلة تعليقاتهم: “انت شن مشكلتك مع فلان” أو مع الظاهرة الفلانية، أو مع الحدث الفلاني، وهو بذلك يسعى إلى جعل القضية برمتها عداوة شخصية مع السيد فلان أو مع الموضوع الفلاني. النوع السادس: وهو صنف سخيف ولكنه ظريف، وهو من يبحث عن خطأ لغوي ليُشهر سيفه ويبرز عضلاته، وكأن القضية التي تطرحها المقالة قد انتسفت من أساسها وانقلعت من جذورها بسبب هذا الخطأ اللغوي، ويقع ضمن هذا النوع السخيف الظريف من يحاول أن يجد تناقضاً بين ما كتبته الآن وما كتبته في مقالة سابقة، أو بين أول المقالة وآخرها، دون أن يدرك أن هذا التناقض لا يوجد إلا في عقله هو. هذه الأصناف ما هي إلا عينة عن العقم الذي نتناول به قضايانا، وعن مستوى التسطيح لها، ويجمع كل تلك الأصناف المذكورة وغيرها رابط واحد وهو أنها لا تناقش أصل المسألة، ولا تتطرق إلى صلب الموضوع، ولا تمس جوهر القضية، وإنما تحاول تحييدها والخروج بها عن محل النزاع، وذلك لعدة أسباب لعل أهمها ضعف الحجة، أو محاولة تمييع القارئ وتشتيت فكره عن محور القضية المطروحة، أو لأغراض نفسية ربما تحتاج إلى طبيب نفسي لشرحها والتعامل معها!.