- قصي البسطامي بن مسكين
انقطاع الكهرباء وانعدام السيولة والأمن ونقص الغذاء وغلاء الأسعار والنزاعات والحروب الأهلية وانهيار البنى التحتية للدولة أدت إلى خلق مجتمع يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية، وقلق مزمن وحالات اكتئاب حادة نتيجة لما ذكر، لم يعد المجتمع الليبي قادرا على الاحتمال أكثر – فالآثار المترتبة عليها أدت إلى تفكيك النسيج الاجتماعي واستحضار القبائل لماضي ثاراتها الغابرة – عزز من خطر التمزيق الذي نعاني منه أكثر مما ينبغي – إن الأجيال السابقة التي خاضت الحروب خاصة الجنود لم يعد بإمكانهم العودة إلى حياتهم الطبيعية فنراهم في الغالب يميلون إلى العزلة والنفور من الاختلاط مع الأقارب والجيران والأصحاب ، كما أن الوضع الأسري يكون في الغالب مضطربا وغير مستقر في حياته العائلية فتظل الكوابيس والأحلام المزعجة تلازمه إلى أجل بعيد ، وهذا ما يسمى في علم النفس : آثار ما بعد الصدمة ( Post Traumatic Stress ) ،، في ليبيا لا تزال الحروب الأهلية قائمة إلى الآن ولم تخمد نيرانها للأسف وقد أصبحت الحروب مولدة لثقافة أخرى غريبة عنا، فالأجيال التي لا تزال تترعرع تحت ظل الحروب أصبحت تكتسب تلك الثقافة وترى فيها المثل الأعلى لها، لم يعد الطفل الليبي يتمنى أن يكون طيارا أو مهندسا أو طبيبا، أصبحت أمنية الطفل الليبي أن يكون فردا في جماعة ميليشياوية يركب في سيارة عالية ويحمل على كتفه قاذف آر بي جي ومعلقا على جنبه مسدسا صغيرا من عيار تسعة ملم، ويطمح إلى أن يركب على م ط ويحلم بأن يسقط طائرة من ارتفاع 500 متر، ويا أسفي فقد صادفت صبيا يناهز 14عاما يحدث صديقه وبكل فخر أنه صعد على رشاشة 14.5 وجهها نحو حائط من بيت قديم وسدد الرصاص اتجاه الحائط وهو يقول باللهجة الدارجة ( والله إلا خليته كيف الكسكاس يا بو راس ) وليتني لم أقارن بينه وبين طفل صغير من بلد أجنبي جالس على جهاز كمبيوتر ويرسم خريطة صغيرة لمنزل جديد يود إقامته على مساحة صغيرة داخل سياج منزل والديه ويردد بفرح ( I have been combleted ) ،،، فشتان بين ذاك وذاك ، إن النزاعات والحروب تضيّق الخناق على طموحات الأطفال فترغم الدولة الأجيال على الانصياع لرغباتها وعروضها الهدامة ، وكذلك الأطراف الداعمة للحرب لا تتيح فرصة أخرى لعمل الشباب إلا أن يكونوا موظفين في إمرة قائد ميليشيا له راتبٌ مغرٍ بقيمة 3000 دينار ليبي، مما يرغم الشباب للأسف على أن يكونوا جنودا قتَلة مفسدين رغما عنهم وبإرادتهم وهم صاغرون،، وعلى صعيد الدولة فإن زيادة المديونية وتضخم الدين العام لها، نتيجة الحرب الدائرة وشرائها لكميات كبيرة من السلاح يفقد المواطنين الثقة التامة بنظامها المالي فيتعذر على الدولة دفع رواتبهم الشهرية – لسبب مسبق أن الدولة تكون مستعدة للاقتراض بصورة تفوق المعتاد من أجل دعم نظامها وتعزيزه أثناء الحرب، إن ليبيا لم تصل إلى حالة الاقتراض من صندوق النقد الدولي بعد، لكن ما يحدث الآن هو استنزاف لثروات المنطقة وتسخيرها لأهداف سياسية تصب في مصالح الدول الخارجية لا المواطن الليبي بشكل خاص ، وإن استمر هذا الحال فلن يكون للشعب الليبي الحق في التمتع بثرواته الطبيعية مع بقاء حالة الصراعات داخل الحدود الليبية. فإنا لله وإنا إليه راجعون.