بقلم :: عابد الفيتوري
مرزق كما يصفها الرحالة والمستكشف جون فرنسيس ليون الذي زارها عام 1818 م . ” مدينة مسورة يسكنها الفين وخمسمائة نسمة .. محاطة بسور طيني به فتحات وقد بني بطريقة لا تخلو من الدوق ، إلا انه من القوة بحيث يستطيع ان يرد اى طامع ، ويرتفع خمسون قدما ، وعند القاعدة يبلغ سمكه ثمانية اقدام ، وللمدينة سبع مداخل .. يقف حارس معين من قبل السلطان على كل باب نهارا وليلا .. المنازل مشيدة من طابق واحد ..متلاصقة في شوارع ضيقة .. مع وجود ساحات فضاء واسعة كالسوق وامكنة توقف الجمال والتجار . وتقع الجبانة خارج الاسوار يلفها سور .
وفي وصف القلعة الشهيرة ، مركز ادارة سلطان فزان ، ” بالقرب من المدخل تجد سقيفة مربعة تسع اربعمائة شخص . بها كرسي السلطان .. يعيش بداخلها خمسون سيدة . يحرسهن 5 من الخصيان ، وفي المساء تقفل الابواب ويحتفظ المكني بالمفاتيح عنده ، وللقلعة مدخل يؤدي الى ممر ملتوي مظلم تماما شديد الانحدار ” .
عن واقعها اليوم ، يفيدنا ابن مرزق ، الاستاذ رشيد علوه ( وله مدونة بعنوان ” مرزق التي في خاطري ” انشأها عام 2008 م ، واهتم فيها ولا زال ، برصد تاريخ المدينة وعادات وتقاليد اهلها ، جملها بالصور عن الامكنة والحياة اليومية للساكنة ، وروائح خبز التنور ، وصيفها القائظ ، وصهد رياح القبلي ، وبرد الشتاء القارص ) . يقول :
” انها ليست بحالة جيدة ، تهدم جزء من سورها الخلفي ، ولم تفلح الجهود لإعادة ترميمها ، اما الجبانة فهي خارج السور من الجهة الشرقية كما في الوصف ، قريبة من الباب الكبير ، تظهر بوضوح فى احدى رسوم هنرث بارش . ولا تزال بعض بقايا السور ماثلة ، وقد اندثرت المدينة القديمة بالكامل تقريبا ، لكن ذاكرة كبار السن لا تزال تحتفظ بالكثير من تلك الملامح .
يعلق على الصورة اعلاه .. هذه الصورة امام القلعة بعد هجوم قوات فرنسا الحرة واحتلال المطار والمعسكر فى شرق المنطقة بتاريخ 14 فبراير 1941م ، مرفقة بخريطة توضح خط سير هذه القوات من تشاد قاطعة مسافة 400 ميل ، انتهاء باحتلال كامل تراب فزان .. لكن ثمة عمليات هدم لحقت المبنى يسار الصورة ، كان من دورين ، مخصص لإقامة الجنود ، ومنه مكان لمرابط الخيل . ويقال ايضا ان هناك دور ارضى وقد ردم ، وكذا .. هدم الدور العلوى فى الحقبة العثمانية لتأخذ شكلها الحالى كما في الصورة بعدسته من ذات الزاوية تقريبا ” .
هناك ايضا المسجد العتيق من بين ابرز معالم المدينة .. ومع ان الرحالة ليون يسرد لنا في مذكراته طقوس ذهاب السلطان لأداء الصلاة بالمسجد يوم الجمعة ، لكنه وقد رافقه في رحلته الطويلة من طرابلس الى فزان ، يقول : ” كنا نتوقع ونحن نغادر طرابلس ان تتعثر مسيرتنا . وأننا سنضطر للتوقف خمس مرات في اليوم لأداء الصلاة ، إلا انه يبدو ان رفاقنا لا يشغلون انفسهم كثيرا بهذا ، فلم ار واحد منهم يصلي ابدا ، لا بل لعلي رأيت اثنين او ثلاثة . اما المكني ورجاله فواضح ان هذه المسألة لا تشغلهم على الاطلاق ” .. ولا يتردد في وصف اعمال البطش والتنكيل التي يقوم بها المكني بصورة دورية .. ويصف اساليبه في القتل والخداع . ” اسلوب العقاب في فزان هو نفس اسلوب العقاب المتبع في طرابلس ، على الرغم من ان الشنق نادرا ما يطبق ، فالخنق هو النمط المفضل لدى المكني ، واذا وجد رجل مقتولا ، ولم يهتد احد الى الجناة او المحرضين ، فيلزم المكني اهالي المدينة ، او المدينة القريبة لمسرح الجريمة بدفع غرامة 2000 دولار . واذا وجدت جثة في مكان ما بالصحراء وعليها اثار عنف ، فان اهل المكان يلزمون بدفع نفس الغرامة “.