مرسى مطروح المدينة التي ذكرتنا بالوطن 3

مرسى مطروح المدينة التي ذكرتنا بالوطن 3

تُعدّ محافظة مطروح، الواقعة على الساحل الشمالي الغربي لمصر، واحدة من أكثر المناطق تميزًا من حيث العادات والتقاليد، خاصة تلك المرتبطة بالطعام والمطبخ المحلي. تمتزج في مطروح نكهات البحر برائحة الصحراء، حيث يتلاقى الكرم البدوي مع خصوصية الثقافة الغذائية لسكانها الأصليين من البدو، ما يجعل تجربة الطعام فيها فريدة وغنية بالتنوع. تتوارث العائلات المطروحية وصفات تقليدية عريقة، تعتمد في كثير منها على مكونات طبيعية بسيطة كالقمح، والتمر، واللحم، والألبان، لكنها تُعد وتُقدّم بطقوس خاصة تعبّر عن الهوية البدوية الأصيلة.

وفي هذا الجزء سنستكمل معكم جولتنا ونستعرض ملامح المطبخ المطروحي، وأبرز الأكلات الشعبية، ودور العادات والتقاليد في تشكيل المشهد الغذائي بها ولعل أشهر الأكلات المتوارثة في مطروح الكسكسي البدوي كما يسمونه وهو الكسكسي المغاربي والذي توارثته القبائل البدوية التي خرجت من ليبيا ابان التجريدة وبعدها وسكنت في مرسى مطروح ومدن أخرى في مصر مثل احضيرات الفيوم والمنيا، ويُصنع من دقيق القمح ويطهى على البخار، ويُقدم مع اللحم أو الدجاج مثلنا تماما مع اختلاف الطعم بسبب أنواع البهارات المستخدمة في مصر و حين تتذوق الكسكسي المُعدّ على نارٍ هادئة في فناء بيت، أو تشرب لبن الإبل تشعر أن كل لقمة هي دعاءٌ، وأن كل نكهة تُسافر بك إلى زمنٍ لم تكن فيه الحياة تُقاس بالأرقام، بل بالمحبة والرضا والترابط والتلاحم بين البلدين ثم العصيدة والتي تُصنع من دقيق القمح أو الشعير وتُطهى في الماء حتى تتماسك، ثم تُقدم ساخنة مع السمن البلدي والعسل أو التمر المهروس.

وفي بعض المناسبات، تُقدم مع اللحم أو المرق في الولائم كالبازين تماما والبتاو نوع من الخبز المصنوع من دقيق الذرة أو الشعير، يُخبز على الحصى أو في “الكانون” .فرن تقليدي بدوي ويشبه الفطيرة الليبية باختلاف الحجم حيث انها أكبر حجما ويُؤكل البتاو مع الزبدة أو الزيتون أو الجبن البدوي. وللبن الرايب والسمن (البلدي)الوطني باللهجة الليبية حكاية فأهل مطروح يعتمدون على منتجات الألبان بشكل كبير، لا سيما الرايب والجميد وهو اللبن المجفف وتُستخدم هذه المنتجات في الطهي، أو تُؤكل مباشرة مع الخبز. ثم الأسماك حيث للسمك هنا طعم البحر الطليق، ورائحة حنينا وصديقتي المرشدة السياحية في مطروح الاعلامية الليبية عفاف عبدالمحسن للعودة إلى ليبيا..

وللتمور في مطروح مكانة وقيمة مماثلة لما لها في ليبيا والدول المغاربية حيث يهدونك التمر  محمّلاً برائحة الشمس والظل وعبق الصحراء والرمل .

وكما تحدثنا سابقا يتحدث أهل مطروح باللهجة البدوية المطعمة بمفردات مصرية ،وبصوت ونغمة مصرية واضحة و تشبه إلى حد كبير لهجة القبائل البدوية الليبية في الشرق الليبي بل تكاد تكون نفسها لولا النغمة الصوتية والمفردات المصرية في الحديث لذا لم نشعر بالغربة فتجولنا واستمتعنا وتعرفنا على هذه المدينة في نهاراتها الوضاءة وفي الليل حين تنام المدينة على سرير الرمل، ويتلحف البحر بالضباب الخفيف، تشعر وكأنك في حضرة أسطورةٍ لم تُكتب بعد النجوم هنا أقرب والقمر أكثر حناناً، والهدوء ليس فراغاً، بل امتلاءٌ خالص بالسكون المقدّس.

فمطروح ليست مكانًا، بل حالة عشق. كل شبر فيها يحكي، وكل شاطئ يُصغي. لا تدخلها كما تدخل المدن، بل كما تدخل الحلم… على مهل، بخفّة، بقلبٍ مفتوح على الدهشة. إنها الرواية التي لم تُكتب بعد، لكنها سكنتنا منذ أول لحظة دخلناها وعرفنا فيها دفء القلوب ورضا النفوس التي لا تُتعبها الحياة ولا تكسرها الأيام ولا تغيرها الظروف مهما كانت 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :