من هو المواطن؟

من هو المواطن؟

  • عبدالرحمن جماعة

يقتاتُ المواطن على الإعلام، تتزاحم في ذاكرته الصغيرة كل عبارات الشجب والاستنكار والتنديد، إلى جانب عبارات التأييد والتمجيد والتطبيل!.

وتتعايش في عقله كل مفردات الغضب والسخط والنقمة، إلى جانب مفردات الرضى والاستكانة والخضوع والذل والمهانة!.

وتتجاور في نفسه كل مشاعر الخوف والتعاسة والحزن والقلق والإحباط واليأس، إلى جانب مشاعر الثقة الزائدة والشجاعة الزائفة، والغرور والتفاخر بما كان وما لم يكن!.

يحمل كل المتناقضات في نفسه، لكنه يجترُّ آخر ما سمعه، ثم يمضي ليقضي نصف نهاره بين طابور المصرف، وطابور الغاز، وطابور البنزين، ويقضي النصف الآخر كمحلل سياسي أهملته كل قنوات الدنيا، فلم يجد إلا مصطبة الجامع، أو مقهىً شعبي في ناصية الشارع، ليُظهر فيه قدراته المنسية، وبراعته الخادعة، ومهاراته الوهمية في تحليل الوقائع وسبر أغوار الواقع!.

أحياناً يبدو سعيداً رغم كل الأرزاء التي ينوء بها، ورغم كل الأعباء التي يحملها، لكن سعادته محدودة ومؤقتة وقصيرة الأجل، كسعادة يمني يحملها في شدقه حيناً ثم يبصقها مع أول خصومة، أو مع أول عطل في منظومة المصرف!.

وأحياناً يبدو تعيساً كئيباً حزيناً، كعجوز عراقية جفت دموعها من كثرة البكاء على الحسين، وملَّت من كثرة انتظار المهدي!.

لكنه ومع كل ذلك لا يزال يُصرُّ على البقاء، ولا يزال يتشبث بالوجود، ولا يزال يتمسك بهامش الحياة!.

لقد أثبت هذا المواطن التعيس براعة فائقة في العيش في كل الأحوال، والتكيف مع كل الظروف، والتأقلم مع كل الأجواء، لكنه لم يمتلك أي مقدرة، ولم يتقن أي نوع من البراعة، ولم يكتسب أي قدر من الجُرأة والشجاعة في تغيير حاله أو تبديل مساره أو تحسين وضعه!.

السؤال المحير هو: هل هذا المواطن ضحية أم هو جانٍ؟!

لكن هذا السؤال في حد ذاته يبدو فضولياً وسطحياً وتافهاً ولا معنى له، لأنَّ أياً من الإجابتين تجرُّ خلفها أسئلة عقيمة لا إجابة لها!.

فإن كان ضحية؛ فكيف ومتى سيتم إنقاذه؟، ومن هو المنقذ؟!

وإن كان جانياً؛ فكيف ومتى ستتم معاقبته وردعه؟ ومن هو القاضي والرادع؟!.

لكن السؤال الأهم، والأولى بالطرح، والأحرى بالإجابة هو: (من هو المواطن؟!)

قد تبدو الإجابة على هذا السؤال بدهية وسهلة، ولا تحتاج إلى فقيه أو عرَّاف!.

ولكن ماذا لو أخبرتك بأن كلمة مواطن قد فقدت معناها، وانحرفت عن موضعها، وتغيرت دلالتها، وتبدل مفهومها؟!.

ففي أذهان الناس تبدو كلمة (مواطن) مقابلة ومضادة لكلمة (مسؤول)!.

وهذه المقابلة لا يُمكن الاستخفاف بها، أو التقليل من شأنها، لأنها تجرُّ وراءها عُرَم من الأسئلة، لعل أهمها:

هل المواطن غير مسؤول؟!

وهل المسؤول ليس بمواطنٍ؟!.

وأسوأ ما في هذين السؤالين أنهما غير مطروحين في أذهان العامة، ونتيجة غيابهما هو نفي المسؤولية عن المواطن، ونفي المواطنة عن المسؤول، وهي نتيجة لا يُستهان بها، خاصة إذا عرفنا أن هذه النتيجة هي الجذر لكل ما نبت من أزمات، والأصل لكل ما تشعب من إشكاليات، والمنبع لكل ما انصبَّ من ويلات!.

وإلى أن تتم الإجابة على هذه الأسئلة سيظل المواطن التعيس على نفس الحال، يقصع جرَّته بما ألقمته ولقنته إياه وسائل الإعلام، حاملاً في أحد شدقيه سعادته، وفي شدقه الآخر تعاسته، ويحمل في يديه شماعتين، يعلِّق على الأولى كل خيباته وانتكاساته وإحباطاته، ويعلق على الأخرى كل انتصاراته الزائفة، وصولاته الواهمة، وأمجاده الخابية!.

وسيظل المواطن البائس يحلم بدوره في الجلوس على كرسي السلطة، ليغترف كما يغترفون، وينهب كما ينهبون، ويكذب كما يكذبون، وهذا الحلم هو في حد ذاته كابوس مرعب، لأنه صار بديلاً عن الحلم بوطن يكرم فيه المواطن، ويُحاسَب فيه المسؤول، وأصبح الوسيلة الوحيدة لجني الأموال، وتبديل الحال، وتحسين المآل!.

…………… والله المستعان!.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :