قصة قصيرة :: عبدالرزاق بن علي
انتصف الوقت من ليلة شتوية شديدة الظلمة لا يسمع فيها سوى نباح كلاب الجيران الذي يشق الصمت الرهيب من بعيد .
كان بيتنا على مقربة من وادي القرية العظيم ، أختار جدي هذا المكان حينما كان مرجا أخضر شديد الانبساط.
تسللت خارجا على أطراف أصابعي كي لا أشعِرنّ بي أحدا، قررت أن أجرب الموت، أو أن أفك شفرته، كنت أرى أن الموت حدثا جديرا بالتجربة و لغزا مؤرّقا حتى و إن كان هو الثابت الوحيد الذي قيل لي أنك ملاقيه لا محالة .
لم يتوقف المطر لأسبوع بأكمله، غزيرا لا رعد فيه ولا برق .
اقتربت من الوادي واعتليت أخدوده العالي وصار السيل الجارف تحتي في حركة سير لا متناهية يتلاعب بكل ما يعترض سبيله في صمت رهيب، الكل يستسلم ولا بيدي أية مقاومة، ربما تعلمت الأشياء لغة العالم وروحه وأيقنت أن المقاومة اذا انتفت شروطها أضحت عبثا و لم يبقى لها سوى الاستسلام وقبول الأمر أو ربما هو العجز والخوف قد استولى على القلوب وشلّ كل مجهود للمحاولة، كنت صغيرا أرى الموت بعيني المجردة وأتفحصه وأراقب سلطته الجبّارة…زاعما قدرتي على خوض التجربة.
أما الآن وقد شارفت الرحلة على الانتهاء، وقد أيقنت طيلة هذا العمر أن ما كان من أمر الوادي سوى عبث طفولة وحيرة صغير لم يكتمل عقله بعد، عاد التساؤل عينه عن ماهية الموت والمقاومة، وهل فعلا هناك من قاوم الموت وانتصر عليه ؟ أما عن الوادي قد جف سيله وهجره الناس بحثا عن واد آخر، أو ربما عن موت آخر، هو الآن مكان قفر و موحش قد هجره الكل بعدما تناوبت عليه مصائب القدر.