مها الحمصي
أقيم يوم الخميس الماضي بمعرض القاهرة للكتاب في دورته ال53 حفل توقيع لديوان الشاعرة الليبية نيفين الهوني وطن التفاصيل والذي طبع عن دار السعيد للنشر والتوزيع لصاحبتها القاصة المصرية لمياء السعيد بحضور ليبي ومصري وعربي حيث بدأ الحفل منذ صباح اليوم حتى مسائه احتراما للبرتوكول الخاص والمتبع بسبب جائحة كورونا وقد جاء في اهدائها جملة واحدة اهدتها الشاعرة لرجل واحد أو ربما لوطن واحد في قلب رجل وهي (إلى رجلٍ علَّمني كيف أختصرُ العالمَ في قُبلة) وينقسم الديوان إلى 4 أجزاء هي فصول السنة الأربع تحت عناوين 1) حلَّ الخريف (سطوة التفاصيل) 2) جاءَ الشتاء (مواسم الغيث) 3) أزهرَ الربيع (غواية الزهر) 4) قيظُ الصيف (حصاد السعير)
ويأتي هذا الديوان بعد 13 سنوات من طباعة ديوانها الأول همس المساءات الثلاث الصادر عن اللجنة الشعبية العامة للثقافة والاعلام عام 2007 وللهوني مطبوعين آخرين هما ديوان تسابيح النوارس الصادر عن الدار المصرية السعودية عام 2010 ومجموعة قصصية قصاصات مطبوعة عن دار ابداع عام 2014
ويحتوي الديوان على ومضات شعرية قصيرة ومختزلة حيث تقول الأديبة والصحافية المصرية شريفة السيد صاحبة الصالون الشباب ولقاء الاجيال في تقديمها له أن الشاعرة قسمت الكتاب وبوعي كامل وقصدية تامة أرادت أن يضم الديوان 366 ومضة على عدد أيام السنة الكبيسة… ويمكننا أن نسميها 366 شهقة في كتاب الأحاسيس والأحلام المجهضة والرغبات الناعمة المكبوتة.. كتاب البوح الشفيف عن أحلام اليقظة مع طيف لا يمل مغازلة خيال الشاعرة…
366 يومًا لو قسمناها على أربعة فصول لكان الناتج (91) ومضة ونصف.. فأكملت الشاعرة كل فصل بمفتح هو في ميزان العملية الحسابية يُسدّد النصف الباقي حسابيًا ليصبح مجموع الأنصاف (4) أي بمثابة يومين مكملين لــ 364 يوما، فكانت التتمة لأيام السنة كما أرادت..
وحيث إن عدد الومضات كان كبيرًا على حجم كتاب؛ فقد عادت وقسمت أيام الفصول الـ (91) ومضة على أيام الأسبوع الـ (7) فكان الناتج رقم الحظ لديها الذي هو رقم (13) وبالتالي سنجد في كل فصل (13) ومضة بعدد (52) ومضة في الفصول الأربعة.. اختصارًا لأيام السنة الـ 366…
وقالت أيضا في جزء آخر من التقديم الذي كان موسعا وشاملا ومفصلا (أعطت نيفين للفصول أربعة عناوين جديدة بدأتها بفعل ماضي (حلّ/جاء/أزهر/ وشذَّ الأخير عن القاعدة فأسمته (قيظ الصيف) ربما لشدة قسوته ومرارة أحداثه ربما)
وأضافت فأعطت لتلك العناوين الجديدة عناوين أخرى أكثر جدة بجوارها.. ربما لغزارة التدفق وعدم رضاها عن العناوين الأولى، لعاديتها وتداولها بين الناس في اليومي والعادي… فأتبعتها بعناوين ثانية فرعية مقوسة بقوسين للفصول، تفسر نفسها بنفسها، كلها صيغت على تركيب واحد هو المضاف والمضاف إليه..
والملاحظة هنا أنها جميعها تصلح كعناوين لدواوين أخرى منفصلة.. ولكن الشاعرة فضَّلتْ ألا تكون عناوين الفصول مجرَّدة من الشعر؛ كنايات واستعارات ومجاز وبشكل رمزي وفكر ممزوج بالمشاعر، فلا تتشابه عناوين فصولها بأسماء فصول السنة المعروفة لدينا؛ لكي تقول: (أيها العشاق، ها آنذاك أبتكر لفصولكم أسماء جديدة وعناوين مختلفة مرتبطة بمشاعركم فكونوا لها حافظين…!) مؤكدة شاعريتها وموهبتها وسطوة الفن الرمزيّ الإيحائي لديها…
فمنذ بداية الديوان يصطدم القارئ بالدهشة الأولى عند مفتتح رئيسيًّ يعتبر بمثابة الإهداء في جملة محورية تؤسس لماهية نصوص الكتاب (إلى رجلٍ علَّمني كيف أختصرُ العالمَ في قُبلة)
فهو إذن ديوان عاطفي بالدرجة الأولى، ولا تريد لذهنية القارئ أن تحيد عن هذا المضمون.
وفي هذه الافتتاحية المقصودة تتعمد الشاعرة تكثيف أفكارها ومشاعرها في سطر واحد، بل وتختصر كل أجواء وآليات العلاقة مع الرجل في قبلة؛ وكأن القبلة هي مُنتهَى طموحها وملخص أحلامها فيه، بل ويصبح الرجل لديها بقُبلتهِ هو مُختصَر العالم كله، لأنها ترى العالم من خلاله هو، بل وزيادة في الإمعان، ترى العالم من خلال قُبلته، باعتبارها المنبع الوحيد للسعادة، والدليل أنها تقول في ومضة أخرى:
غايةُ الروح معكَ لقاء
ومُنى النفس منكَ قُبلة
ولا حدود لحُلمِ المُرتجفِ أمامكَ لهفةً…!