عاشور صالح عبدالعزيز
اللُّغَةُ وَالهَوِيَّةُ (1). لاشك أن لكل منا هويته الخاصة التي يعتز بها، والتي قد تكون فردية أحياناً وجماعية في أحيانٍ أخرى. واللغة التي نستخدمها، سواءً على المستوى الفردي الاجتماعي أو الأكاديمي أو السياسي، تعكس في أغلب تلك الأحيان، تلك الهوية وعلى عدة أصعدة ومستويات. وقد تكون اللغة انعكاسا جماعيا لفكر وثقافة وأسلوب حياة ونظرة مجتمعية موحدة بكل ما تحمل تلك اللغة من أصوات ورموز وكلمات وألفاظ ومعانٍ ومدلولات. يقسم الاختصاصيون في علم اللغة الاجتماعي اللغة إلى مستويين: المستوى الفردي، والذي يدرس لغة الفرد من حيث مخارج الأصوات والكلمات والإيماءات والنبرات التي يستعملها شخص ما وتميزه عن البقية في ذلك المحيط الذي يعيش وتجعل منه كائناً فريداً لا يقاسمه أحد في تلك الصفات والميزات حتى الأخ أو الأخت التوأم. فقد يتشابه التوأم في كل شيء مثل اللبس وملامح الوجه والجسد ونبرات الصوت وطريقة المشي ..إلخ، ولكن اختيار الكلمات وتفضيلهم في اختيار كلماتهم والألفاظ التي يستخدمونها على المستوى الشخصي غالباً لا يكون في نفس تطابق الصفات السالفة الذكر.. فقد يميل أحد التوائم إلى استخدام كلمة (أنا) ويفضل الآخر (أني) أو (هنا) والآخر (هانا) أو (هني) باللهجة الليبية مثلاً. وهذا يعكس الهوية التي تميز كل شخص عن بقية الأفراد المحيطين بهم. وأما المستوى الثاني فهو المستوى الجماعي أو المجتمعي. وهذا القسم يدرس لغة مجتمع بأكمله وكيف ينظر ذلك المجتمع إلى ذاته وإلى لغته وهويته—أبِعَيْنِ الرضا والفخر أم الإزدراء؟. وهذا يعكس ثقافة جمعية وإسقاطات جماعية على بعض المواضيع والأفكار والمفاهيم التي يتجه أفراد جماعة معينة للاتفاق بينهم على تبنيها أو انتهاجها أو تصديقها أو عدمه. كما تعكس الطبيعة الجغرافية والديموغرافية لكل مجتمع هويته من خلال اللغة والمصطلحات المتداولة بين أفراده—فنجد المجتمعات الزراعية تختلف في لغتها وشخصيتها عن تلك الصناعية والتي تعيش على الأنهار والبحار ومصدر عيشها الأساسي هو صيد السمك. هوية كل تلك المجتمعات تنعكس في لغتها اليومية بما فيها من إيماءات وإيحاءات ودلالات تفرقها عن غيرها من التجمعات التي لا تشاركها نفس الصفات أو على الأقل لا تشاركها الموقع الجغرافي والواقع الاجتماعي اليومي.