- د.احمد عثمان الضراط
ضيـــقـة العْـــلْــم و الغـمّـة
من خلال عملي في مجال الأمراض الصدرية و علاج حساسية الجهاز التنفسي , اقابل في كثير من الأحيان نساء و رجال , شكواهم ضيق التنفس و انقباض في الصدر فقط ,غير مصابين بدهشة و لا بأزيز او صفير و لا بسعال و لا بافراز البلغم, و عادة ما يكون التاريخ المرضي خاليا من أي امراض مهمة لها علاقة بالجهاز التنفسي, و لكن يبقى أن شكواهم ضيق في التنفس .
ابدء في الحال بالفحص الإكلينيكي لأجد ان زمن الشهيق الزفير طبيعيين و أنه لا يوجد ما يعيق عملية التنفس لا من داخل المسالك الهوائية و لا من خارجها, كما أجد ان ضغط الدم و نسبة الأكسجين فيه طبيعية, و ينتهي الفحص بأن لا أجد أي علامة من علامات الالتهاب او الحساسية التي قد تكون سبب ضيق التنفس, و كذلك أجد أن القلب و الأجهزة الحيوية الأخرى على ما يرام, فأتجه لمعاينة الجهاز الهضمي و الذي إذا ما وجدته مضطربا سيحول إتجاه التحقيق من اتهام الجهاز التنفسي لوحده, الى تهام أكثر من جهاز آخر , لذلك افتح ملف و أبدء التحقيق من جديد مستعينا بفريق من المحققين الخبراء في مجال المختبرات والتصوير , و أوجه أصابع الاتهام إلى أجهزة اخرى قد تكون قد حادت عن أداء عملها بالشكل الطبيعي كالجهاز الهرموني المعقد و الشهير بإخفاء تقصيره الافرازي عن الأطباء, او الكلى التي اذا ما اضطربت فسوف تسبب مشاكل في توازن الأملاح و الذي يمكن أن يسبب بدوره في تراكم السوائل في أي مكان في جسم الإنسان, او نقصها الذي يسبب جفاف جسم الإنسان , و هذا يحدث ليس بفعل الكلى كمصفي للدم فحسب و إنما حتى كنتيجة لأي خلل آخر , كوجود عجز في ميكانيكية او كهربائية القلب الذي يعمل كمضخة, او كنتيجة التهابات او امراض أخرى يمكن أن تصيب الرئة او أي جهاز آخر , و بالتالي كل هذا او جزء منه يمكن أن يكون سبب مباشرا أو غير مباشرا في ضيق التنفس الذي يشتكي منه مريضنا , كل هذه الشكوك لها دلالات على أرض الواقع و تحتم على الطبيب ربطها ببعضها و استخلاص التشخيص الدقيق النهائي و وضع مخطط للعلاج المناسب , و هذا ما يجعلني كضابط تحقيق استدل بنتائج تحاليل بعض الهرمونات و الدم و البول, والتي ما إذا كانت جميعها سليمة في شخص يتمتع بصحة جسدية ممتازة , فإنها تجعلني أعمق البحث أكثر و أكثر و اتجه لمعاينة العامل النفسي , و هذا ما قد يتغاضى عنه بعض الزملاء الذين يكتبون لهذة الفئة من المرضى وصفات طبية مليئة بالبخاخات و الاشربة و البخار و ادوية الحساسية و في بعض الأحيان الحقن الوريدية و غيرها من الأدوية الخاصة بالجهاز التنفسي ظنا منهم أنها تخفف من ضيقة التنفس, و التي في الحقيقة ليس لها أي فائدة في علاج حالات انقباض الصدر النفسي (نتيجة الستريس و التراكمات و الضغوطات) , بل بالعكس يمكن أن تسبب عواقب و آثار عكسية, أكثر ضررا من تلك التي كان يعاني منها المريض, كوصف الستيرويدات( الدواء المفضل لدى بعض الأطباء ) على سبيل المثال.
فإذا ما كنت يا صديقي تعاني من ضيقة في التنفس, ووان هذه الضيقة تأتي على شكل تنهيدة او كأن تشعر بأن هناك ثقل على صدرك , و في بعض الأحيان زيادة في خفقان القلب و الشعور و كأن القلب في حلقك و ماسكتك العبرة للبكاء ,مصحوبة باضطراب في جهازك الهضمي كتوالي الاسهال و إالامساك او كلاهما, و انقباض في المعدة و الم في (فم الكبد) و زيادة في نبضات القلب أثناء الراحة و اضطراب في النوم او غيرها, كالانشغال و الخوف الغير مبرر و الوسواس القهري, فاعلم أن جهازك العصبي اللا إرادي هو الذي يتحكم في اجهزتك الحيوية, و يوتر الجهاز التنفسي و الجهاز الدوري و القلب و الجهاز الهضمي.
كل هذا يحدث نتيجة الضغوطات المتراكمة عبر الزمن و التعب و القلق الذي أصابك على مدى السنوات التسع الماضية الصعبة التي مر بها الشعب الليبي , و لأنك لا تستطيع التحكم في عقلك الباطن الذي يتحكم في اظهار الأعراض الجسمانية للاضطرابات النفسية, فإن كل الأعراض المزعجة والقلق و الوسوسة و الخوف و ضيق التنفس التي نسميها بالعامية (ضيقة العلم) تظهر عليك و تكون سبب في توترك و ظهور علامات الاضطراب النفسي عليك , و انه بالرغم من رفضك الاعتراف بانك متوتر إلا أنه في داخلك تعلم انك كذلك .
و اخيرا يا اصدقائي بعد أن أطلت عليكم الكلام ………. اقول لا خوف من القلق و التوتر العصبي او السلوكي مادام تم تشخيصه , لان علاجه اسهل من تركه, و لان تركة يجعله يتفاقم و يتحول للأكتأب و للأنطواء و لأمور أخرى أسوء يترتب عليها تغيير جذري في معيشة الإنسان و تقويض في جودة حياته و سعادته.
و للحديث بقية …….
حافظوا يا اصدقائي على صحتكم النفسية إلى ان يجعل الله لنا مخرجا من محنتنا العويصة, و يفرح علينا الله من حيث لا نعلم
موضوع تم تعديله, سبق و أن نشرته .