أزمة وطن لا أزمة وقود

أزمة وطن لا أزمة وقود

حين تصل لمنطقة أبو الغرب وأنت ذاهب أو عائد من طرابلس كحال أي جنوبي لا يمكنه الانفصال عن الوطن عليك أن تتقبل الصدمة الأولى فهنا جميع محطات الوقود الرسمية التابعة للدولة مقفلة ومهجورة منذ زمن ، ستجد مجموعة من “الهوسا” يجلسون بقرب ” براميل بلاستيكية ” يبعون الوقود ، تلقائيا سوف تسأله بعد تحية الصباح: بكم البرميل يا محمد ؟

وستكون سعيدا جدا عندما يجيبك عشرة بعشرة أي عشر لترات بعشرة دنانير ، الوقود الذي يباع في محطات طرابلس وبنغازي ومعظم مدن ليبيا بخمسة عشر قرشا أو درهما ، يباع في الطريق إلى فزان بدينار ، مساحات متفاوتة من أرض شاسعة يقطعها الجنوبي بكل مخاطرها ، بطرقها المتهالكة الوعرة الخطيرة هي في حقيقة الأمر كل الطرق المؤدية لروما هي مصدر جزء مهم وكبير من نفط ليبيا ، الذي لم يعد على سكان جنوب ليبيا بشيء مطلقا فلا طرق مرصوفة ولا مبانٍ جيدة ولا حدائق عامة ولا أي شيء .

مرتان زار فيهما رئيس المؤسسة الوطنية للنفط جنوب ليبيا أو ربما أكثر فقط ليطمئن على استمرار منابع ثروته ، والرعاة يجيدون جيدا حراسة أموال سيدهم أمام فتات لا يسمن ولا يغني من جوع . ستصادف وأنت مسافر عائلات جنوبية عديدة هجرت بيوتها وباعتها للحالمين بوطن في بقعة لم تعد تغري الليبيين بأن تكون وطنا لهم ، سيخبرك أحدهم أن انعدام الوقود هو السبب الرئيسي في بيع بيته والهجرة إلى العاصمة وما يجاورها أو إلى ، ستتحدث أنت عن الوطن ، وتنهره كيف يفرط في أرض الأجداد فيطلب منك أن تأتي للحياة بها بدلا عنه فتصمت .

عندما تصل لأي بوابة قريبة من مدخل سبها ولا عائلة معك وأنت شاب بائس عاثر الحظ ملأت ” برميلين بلاستيكيين ” سعة كل واحد منهما ” عشرة لترات ” ستعتبر مهرب وقود وستتم مصادرة ما ملأته من وقود بثمن 15 درهما ، لتشتريه داخل المدينة بثمن دينارين في أفضل الأحوال وحمادة الوطن يتركون السطو المسلح ، والحدود المنتهكة ، والجريمة المنظمة ليسطوا على لترات وقودك ، وقودك الذي عجزت الحكومة المتصارعة مع البرلمان على انتزاع ميزانيتها أو إقناع من يحاولون تفشيلها في مساندتها . نحن لا نعاني أزمة وقود نحن نعاني أزمة وطن بكل ما تحمل هذه الكلمة من وجع ومرارة !

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :