قوارب الموت سيرانة تغوي المعذبين في الحرب! “

قوارب الموت سيرانة تغوي المعذبين في الحرب! “

كتبته :: بيه خويطر

أصبحت أكبر أمنياتي قارب الموت والهجرة ماعدت أطيق العيش هنا “هكذا عبر الشاب الليبي أحمد عن رغبته بالهجرة ، بعد أن فقد أخاه وصديقه في ذات اليوم بحرب طرابلس في أبريل الماضي. مؤكداً أن لاشيء يستحق البقاء من أجله.

بيت جدة أحمد ” وألفة الأحبة.

أحمد يبلغ 23 ربيعاً من عمره ، وهو طالب متفوق في دراسته في إحدى الجامعات الليبية ، وكان على وشك تخرجه حين ارتطم بواقع الموت ، يتيم الأب والأم ، فقد أبويه في حادث سير أليم ، وهو الأخ الأصغر للعائلة ، لديه أخت متزوجه وأخ واحد يكبره بعامين. التحق مع الجيش الليبي منذ تأسيسه، ولكلا الأخوين صديق مشترك يقضيان أغلب أوقاتهما معه.

يقول” أحمد ترعرعت منذ الصغر دون أبوين فقد تكفلت جدتي برعايتنا أنا وإخوتي، ومنذ خمس سنوات انتقلت جدتي إلى الجوار الأعلى بعد مرض عضال ألم بها سنيناً ، بقينا أنا وأخي محمد في منزلنا تزورنا أختي بين حين وآخر ، وكعادتها عندما تأتي تستقبلها الفوضى العارمة في المكان وتبدأ رحلة الترتيب والتنظيف، محمد كان لديه صديق مقرب اسمه فؤاد كان يقضي الأيام برفقته ، حتى صار فؤاد صديقنا المشترك الذي يزورنا كل يوم.

زواج أخي منبع وحدتي !

تابع ” وفي أغسطس 2016 تزوج محمد بابنة عمي ، و كان يستعد لحفل زفافه بفرح غامر ، حينها كنت أنا مشتتاً بين الفرح والحزن ، أنتظر ما سيحل بي بعد زواجه . بعد انتهاء مراسم الزفاف ذهب محمد برفقة زوجته في رحلة إلى شرق البلاد لمدة شهر. رجع أحمد إلى منزله يجلس في طرف الحجرة حزينا مكتئبا مواصلا حديثه

وجدت نفسي وحيداً لا أحد هنا إلا الجدران ، أحاكي الذكريات، لأول مرة أشعر بأنني حقاً يتيم ، محمد كان نعم الأخ والأب والصديق لم يفارقني طوال حياتي.

كنا نعود إلى المنزل سويا بعد صلاة المغرب، وهذه المرة الأولى التي أعود فيها للمنزل بمفردي بعد منتصف الليل، كانت تجول في خاطري أسئلة توصلني للجنون : هل سأبقى وحيدا بعد زواج رفيقي في الحياة؟ وهل ستلهيه حياته الزوجية عن شؤوني؟ وهل؟ وهل؟ وهل؟ بقيت على هذه الحال أياماً و أياما ..

انطفاء سيجارتي أضاء دربي من جديد

يحكي أحمد ” كنت شاباً في سن المراهقة أقطن في البيت وحيدا لارقيب ولا حسيب ، حاولت ملء ذاك الفراغ الذي أعيش فيه ،انخرطت مع رفاق السوء ، ولأول مرة جربت التدخين ، حينها تخيلت ردة فعل محمد الذي كان دائما ينصحني بالابتعاد عنه مهما كانت الظروف، رميت السيجارة على الفور ، واتصلت به والدموع تملأ عيناي. واسترسل ” فزع محمد باتصالي: ماذا هناك؟ لم أستطع التوقف عن البكاء ، فصرخ أخي: ماذا هناك؟ وبعدها أنهى مكالمته ، و أدرك أني بأمسّ الحاجة إليه، وفي اليوم التالي وصل محمد للمدينة بعد صلاة المغرب دخل للبيت ولم يجدني ، فانطلق باحثاً عني، حيث وجدني في بيت صديقنا الخلوق فؤاد ، فقد قصدت بيته عندما لم أجد أحدا أستند عليه ، حمدت الله أنه لم يجدني مع رفاق السوء أخبرته بما جرى في غيابه وكعادته لم يتصرف بقسوة ، فقط تحدث معي بحنان الأب وعاطفة الأم كما عودني في السابق.

دعابات الحرب و وصايا الإخوة

وتابع أحمد قصته قائلاً : “بعد مرور 4 سنوات من زواجه، توجه الجيش الليبي إلى طرابلس؛ ذهب محمد برفقة فؤاد وترك زوجته حبلى بابنهما الأول ؛ شبت نيران الحرب بالعاصمة وانقطع التواصل بيننا. ” بعد أشهر طويلة من انقطاع التواصل بيننا في صباح 17من مارس استيقظت على صوت محمد ممازحا معي (نوض التريس كل يوم تموت في الجبهة وأنت الساعة 12ما زال راقد ) ، لم أصدق عيناي عندما رأيته أمامي، غمرته وتفقدت جروحه طلبت منه بأن لا يذهب مرة أخرى فنحن بحاجة إليه جلس معي قليلا وذهب إلى بيت عمي ليطمئن على زوجته، وبعد يومين من عودته أنجبت زوجته طفلا من ذوي الاحتياجات الخاصة، لم تنقص فرحته شيئا كان يحضن ابنه ويحمد الله كثيرا.

أشار إلى أنه “بعد أسبوع من ولادة زوجته عاد محمد وصديقنا فؤاد إلى الحرب وانقطع التواصل بيننا مرة أخرى، ولكن هذه المرة ينتابني إحساس مخيف كلما أتذكر كلامه عندما ودعني قائلا: ( سامحني إن قصرت في حقك يوما وابْقَ كما أنت أخي الذي أعرفه لا تتخلى عن أخلاقك، كنت دائما فخورا بك أنت ابني ولست أخي فحسب وقبّل رأسي ودموعه تنهمر ) حينها شعرت أنه لن يعود.

قارب الموت رحمة ، فلا قبر ولا ابن لأخي !

أنهى أحمد حكايته بحزن : “في 25 من أبريل استشهد أخي وصديقي بغارة جوية ، تلاشوا في القصف أشلاء ، وصعدت روحهما إلى السماء، دفنوا في مقبرة جماعية لا أعلم أين هي، وبعد شهر من موته فارق محمد الصغير الحياة ، مات ابنه، لم يبق لي إلا الذكريات ليت له قبرا أزوره ، لا شيء يستحق البقاء .

ختم ” أنا مصصم على الذهاب لعلي أسترجع نفسي بعيدا عن واقعي، لم يبق إلا القليل لأغادر ، أنا بانتظار مكالمة هاتفية سيكون مصيري على متن قارب لايهم ماذا سيحدث إن استطعت محاربة الأمواج سأصل لوجهتي وإلا سألتحق بمن أوجعني فراقهم. لايزال أحمد مصمماً على الرحيل و الهجرة عبر قوارب الموت، خاصة بعد فقده لأخيه و صديقه فلم يعد لديه أي دافع ليعيش من أجله هنا، بوفاتهما فقد نفسه ويسعى لإيجادها عبر قوارب الموت و الهجرة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :