صوّر يا صوّار!

صوّر يا صوّار!

  • سعاد سالم

تَنّوَه ” مايشبه ترسب التجارب والمعرفة ”

في كل بيت حقيبة أو فردة دولاب أو إقجّر فائج بالصور، تاريخ للعائلة أو متحف على قدّ الحال نلتحق به بمجرد ميلادنا، لن أنسى كاميرة بوي، زينت ZENIT-3M، وصور الأبيض والأسود وباحات البيوت القديمة والملابس والحياة وعمر الصبا لمن أصبحوا أمي وبوي وحنّاي ،وصور من رحلوا قبل حلولنا في هذا العالم وحمل بعضنا سميّتهم.

لمّا الصور تغنّي

صورة، صورة ،صورة،كلنا كده عايزين صورة، أحفظ أغنية عبدالحليم هذه في طفولتي قبل أن تصبح القومية العربية مابعد الهزائم، ومابعد تطور مفردات علم الاجتماع مش أكثر من تفكير شعبوي والذي في العالم كله يتمدد وينحسر مثلما الموج أو المد والجزر،لها أسبابها العميقة التي لن توثقها الصور بل الدراسات والعلم ، ،ماأذكره أنني كنت مبتهجة كلما سمعت صورة وكأنني اتهيأ لفلاش سيفاجئني من زاوية ما، ربما لأنني في الحقيقة أحب الصور التي لاتظهر، ففي الواقع أنا وأخوتي تخلصنا من بعض صورنا في فترة مراهقتنا شديدة الانفعال والعصبية  والتي لم تخلو من الشعور بالعار من كل ماهو قديم، في الوقت الذي نتبادل فيه مع مراهقي شارعنا أشرطة الفيديو لأغان أجنبية أسمعها الآن على راديو رايموند في روتردام، فعرفنا روود ستيوراد ومايكل جاكسون ،لايوني ريتشي، بريتني سبيرس، وستيفي ووندر وفرقة باد ستريت بويز وكالتشر كللب، وأنا أستعيد هذه الذكريات  تسيل في كوجينتي الكثير منها فيما أغسل صحونا أو أعد القهوة كما كنت أفعل قرب المجلى البعيد،و أضع تصورا لتلك العصبية كرد فعل على الانغلاق في الثمانيات وكأنها حبس انفرادي ، هل تخيلتم الصورة ؟ شعب كامل كأنه شخص واحد في شيلللا .

صوّر ياصوّار وعلّق ياصحافة ، بهده الأهزوجة نؤازر فريقنا المفضل بالزعيق في القلالية في لقوايل واضعين فريقنا فوق والفريق الغريم لوطا، وهو في الحقيقة فريق بوي، في صورة عائلية للعلاقة معه،وحتى شقيقي الذي يشجع الغريم فريق خالي، سيصبح تلقائيا في خانة التعزير، ماأحاول قوله أن الصور تتدفق إلى ذهني فاسرع لتثبيتها مثل لقطة صوّارة الخمسة دقايق التي التقطها بوي ليوثق نومي في اول ليل قديم، لأنه حين ،وضع في يدي صورتي بالقفطان البنفسجي الذي خاطته لي أمي بخصر الياستيك وبالياستيك نهاية الأكمام القصيرة المنفوخة بدت كما لو أنها اسئناف لما بعد الجملة : كنت أشاهد التلفاز وغرقت في النوم قرب طاولته القصيرة ، النوع ناشيونال ملون وفي دولاب بضرفتين يتسربان إلى جانبيه حين نفتحه بداية البث الساعة ستة عشية،

حلوة الصورة لك يا إنسان، لم  أعرف إن خطر على بال فرج المذبل أن تصير كلمات أغنيته ، تترد في طابور الصباح كتميمة للبلاد بعدما خلّاها الفنان أحمد فكرون بموسيقى الريقي الثورية تشبه نشيدا وطنيا، ولو كنتم مثلي تميلون للذين يحقنون الجديد في كل شيء يصلون إليه سيمكنكم إلتقاط صورة خاصة لزمن ما من خلال أغنية كهذه..بديعة وحماسية وحارة وتلمس شيئا يشبهنا ،أسمر وعرقان ،لكن من يحب هذه الصورة لإنسانه لَسمر بجبين عرقان في البلاد التي هي أفريقية وتشكك في ليبية كل أسمر مابالك جبينه عرقان، الشعارات الليبية لها بريق لفلاش،اتتشك،

تواريخ على ظهر الصور

أعلق الآن صوراً عائلية قديمة على نصف حائط في غرفة الجلوس، وكأنني في عمر الحكمة هذا أكفّر عن رعونة اتلاف بعضا من تاريخي الشخصي، وكأنني أمد يدي وألتقط ذلك الزمن القديم من بين ركام كل الأشياء التي سقطت منا كلما نقلنا أمتعتنا إلى مكان جديد،وفي الأثناء كنّا بدأنا ننسى من نحن لولا بقايا الصور وتواريخ مكتوبة بخط اليد أحيانا ،أو بطابع يكاد يمحى من مصواراتي ما، فلي ولأخوتي فوق الزينت الروسية ذات الغلاف البني المتين صور في أغلب دكاكين التصوير في اطرابلس ،في الأعياد وفي أوقات افتتاح المدارس وحتى صور لأخوتي بعد تطعيمة الشهور الأولى في مصوراتي على الجهة المقابلة لمستوصف فشلوم ، وهي تؤرخ لبدء انتباه أمي لضرورة استكمال جدول التطعيمات الذي بدأ التوعية بضرورتها فيما عرف وقتها ببرنامج الأمومة والطفولة ،كما تباعدت ولادات أخوتي التاليين للبرنامج وصولا إلى الخمس سنوات ،ضمن مفهوم الصحة الانجابية، إذاً الصور مش بس ذكريات شخصية بل توثيق لذاكرة شعبية عن الطباع ،عن نوع الحياة،وعن كيف يفكر الناس ، إنه وكما يظهر على السوشيال ميديا ،تلك الصور العائلية الخاصة لتسرد في مجملها تاريخ وطني للناس العاديين، تاريخ يعصى على التزوير.

مقاسات صورة الشخصية

هل تستغربون مثلي من التعليق على صورة لكم بهذا : حلوة الصورة، قصدي مامعنى ذلك، هل هو مجرد تعبير أم  فعليا تعني أن للمعلق رأي في الصورة والذي قد لايتوافق مع رأيه في ملامح صاحب الصورة،.

في ال CV المرفق مع طلب الوظيفة هنا في هولندا الصورة في أعلى السيرة على اليمين في أهمية الايميل ورقم التلفون، لما تمثله من جدية صاحب الطلب وتؤكد وجوده الفيزيائي، حتى مع  احتمالات عالية لعدم دعوة المتقدم لمقابلة العمل أي رفض طلبه لأسباب تمييزية تحدث حتى مع الأسماء اللي مش هولندية أو غربية، غير أن لكل شيء في هذه البلاد حساب، فالرفض ان شابته صبغة تمييزة تكلف وكالات التوظيف واصحاب الأعمال غاليا،لهذا التمييز مستتر ومتكتم،لكنه لا يندرج تحت خانة (تتوهم) المفردة الليبية المأثورة ،ذلك لأن الدراسات والبحوث التي تقوم بها دوائر متخصصة لرصد التمييز بكل أشكاله،تنشر تقاريرها وتقوم الحكومة بمزيد من الاجراءات والتغييرات اللازمة لمكافحتها كما أي جريمة، لكنه سيكون وقحا وحتى متبجحا عندما طلب صحفي كان مراسلا لمجلة عربية أن تكون صورتي جميلة لتنشر مقالتي، ولكن من فضائل التغيير أن جعلني أنشر مقالتي مع صورتي على فسانيا إخترتها بالتّعني بنظارة ومسام وجهي ظاهرة ،وشعري مش حرير ،ومن العيش في هولندا أنني حين أتحدث عن التمييز لا يقول الهولندي، انت حساسة،ونحن شعب نازك بطبعه،أو نقدس بناتنا ونخاف عليهن،كما علق دكتور جامعي على تخربيش وجوه طالباته نشرها على صفحته الشخصية على فيسبوك في القرن 21 عام 23.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :