- محمود السالمي
قراء فسانيا الاعزاء :
عندما نتناول الأغنية الشعبية فى بحث فإننا بلا شك سنتدرج للحديث عن ما يمكن أن اسميه مكملات الأغنية الشعبية تتمثل فى الإيقاع والتصفيق والرقص والألحان ، ففي مناطق الجنوب وفى الواحات خاصة الجفرة يمثل الإيقاع أهم سمات الأغنية الشعبية ويوجد عدد كبير من الإيقاعات التى تتدرج بطأ وسرعة ، وقد لا يكون الأمر غريباً إذا قلنا أن لكل مناسبة إيقاعها الخاص بها فى الأفراح التى كانت تمتد لأيام عدة .. هناك أيضا إيقاع الكف او التصفيق وله أيضا مستويات عدة وهى فى مجملها تتوافق من الإيقاع سرعة وبطأ حسب ما تتطلبه الأغنية .. أما الرقص فهو أما أن يكون خاص بالرجال وغالباً ما يؤدى بشكل جماعي كما هو الحال فى ( رقصة الحظ ) الشهيرة المعروفة فى منطقة الجفرة او يكون الرقص نسائياً وهو معروف .. ويقام فى بعض أيام الفرح او العرس الشعبي ما يشبه الاحتفال يجمع كل الأشياء التى ذكرناها سابقاً من مكملات الأغنية الشعبية وتسمى ( ألد بدابة ) وهى إحدى أنواع الفن الشعبي الذى تنفرد به منطقة الجفرة وتؤدى فى ودان و هون وسوكنه فقط .. وتقام ألد بدابة فى بيت العروس فى اليوم الذى يسبق يوم ( المرواح ) او يوم الزفة .. ألد بدابة يؤديها من ستة إلى ثمانية أشخاص محاذون لبعضهم البعض من الدوران بحيث يقوم الاثنان الأماميان فى الصف بتأدية الأغاني ويقوم الباقون بترديدها وراءهم . ويكون هؤلاء محاطون بحلقة من الفتيان والشباب الذين يقومون أيضا بترديد الأغاني مما يضفي على العرس بهجة وسرورا .. وكما أن للدبدابة طريقة خاصة فى الغناء او الأداء لها أيضا إيقاع خاص هادى وأيضا تصفيق خاص يكون على رتم الإيقاع ، وتتخلل ألد بدابة رقصة مميزة فى بعضها أغانيها السريعة يقوم بها سبعة أشخاص ينقسمون إلى صفين كل صف ثلاثة ويتوسطهم واحد وتغنى فى ألد بدابة أغاني جلها ذكر لله وصلاة على الرسول ومنها :
على أول ما نبدأ نسمى بسم الله وثاني مرة نبعدوا الشيطاني
وتالي نصلوا على الحبيب رسول الله محمد بو فاطمة العدنانى
*
ياهى ياهى صلوا على محمد
ياهى ياهى يا صاقل نابه
و ألفين صلاة يا سامعين
ياهى ياهى قالت لبوها يابويا
زيدوا فى مالا بيش نشتروا هذا الغزال
*
ياهى ياهى جيناك بزيت وخمرة
وغثيثك مترادع
واسود كما ريش النعام
ياهى ياهى وان كان بوك شرانى
نخدم فى اجنانه
واوه يا منقرشة الو شام
للدبدابة كما قلنا إيقاع خاص بها .. وترتبط بها أغاني خاصة تؤدى بطريقة ( البر ول ) المكمل للاغنية يتناول موضوعات الاغنية الشعبية من عشق وحب والفراق والرغبة فى التواصل مع الحبيب فهم مثلا يصاحبون الدبدابة بأغانى مثل :
حنظل مر فراق الخالة موت اقبالة ما جربته غير ادالة
ففي هذا المطلع يقول شاعر الأغنية الشعبية أن فراق ( الخالة ) اى ( الخلة ) التى هي الحبيبة او الصديقة او حتى الزوجة له طعم مر كطعم ( الحنظل ) وهو نبات صحراوي ينتج ثمراً له طعم مر المذاق ، هو طعم العلقم لا يمكن لإنسان أن يحتمله ، وأوراق هذا النبات مرة وكذلك عوده ، بل أن فراق الحبيبة يشبه الموت البين الواضح الذى ظاهرا للعيان ( موت اقباله ) وهو لم يجرب هذا الفراق الا ألان ( ما جربته غير ادالة ) كلمة ( ادالة ) تعنى ألان او هذه المرة ثم يقول :
فراق غلاهم
ما جربته غير معاهم
عيني ما طاقت فرقاهم
تذرف والدمعة سيالة
اى أن فراق الأحبة لم يجربه الا مع من احب ، ومن هنا تكون صعوبته الى درجة ان عينيه لم تطيق الم هذه الفراق ( عينى ما طاقت فرقاهم ) لذلك هى دائمة البكاء والنحيب لفراق من احبت وتسيل دموعها بقوة وعزارة عبر عنها بلفظة ( تذرف والدمعة سيالة ) ثم :
فراقه ريدى بو سالف طبع الماجيدى
ونا نطلب فى العالي سيدي
يخلص دين قديم سوالة
يؤكد الشاعر على أن فراق ( ريدى ) اى حبيبي او الشخص الذى أريد طعمه كطعم العلقم خاصة وانه مميز بجمال الشعر وطول ظفائره التى تزيد جمالا على جمال ، لذلك يقول ( بو سالف طبع المجيدى ) اى ان كل شى فيه طبيعى وجميل واصيل كأنه ( مجيدي ) والمجيدى هو عملة ذهبية استعملها الاتراك فى كل البلاد التى استعمروها فهي معروفة فى ليبيا فى المغرب العربي وفى مشرقه خاصة فى سوريا والعراق ولبنان ،، وهو يطلب من الله أن يساعده فى ما حبه وان يكمل هذا الحب القديم بالزواج دون أن يصرح به بل شبهه بالدين القديم الذى لم يسدد ( أيخلص دين قديم سوالة )
فراق الزينة يابوقصة ريش حضينه
كانك يا غالى تبينا
دز جواب ايجيك اعلانه
ففراق هذه الانسانة التى يصفها بأنها ( زينة ) الأوصاف صعب … ويصفها بأنها ( بو قُصة ريش حضينة ) و( القُصْة ) وهى خصلة من الشعر فى مقدمة الرأس تفرد على الجبهة من الأمام كانت تهتم بها المرأة كثير لأنها من تمام الزينة بالنسبة للمرأة الليبية ، وقصة هذه المرأة جميلة وناعمة كأنها من ريش طائر ما زال العش يحتضنه ، ( كانك ياغالى تبينا دز جواب ايجيك اعلانه ) اى اذا كنت ايها المحبوب الغالى تريدنى كما اريدك ابعث لى ( جواب ) اى رسالة لارد لك بمثلها موافقة ً .
فراق الولفة بو سالف يدهن بالزلفى
محلى ريدى
وقتاً تلفى مركب يداعى عالجالة
يصف الشاعر محبوبته بأنها ( الولفة ) اى الأليفة المحبوبة القريبة للنفس ذات ( السالف ) اى الضفيرة التى تُدهن ( بالزلفى ) والزلفى هى نوع من العطور الطيبة الرائحة التى تصنعها المرأة فى الواحة من الاعشاب لتضفر بها شعرها .. ثم يقول ( محلى ريدى ) اى ما اجمل الانسانة التى احبها حين تُقْبل بزينتها وكأنها مركب على لجة البحر فقد اعتاد الشعراء فى الواحة أن يصفوا النساء بعدد من الصفات التى تتشابه فيها مع الموصوف فهم يقولون عن المرأة الجميلة بأنها ( سزية ) وبأنها ( ام الوشام ) وهى ايضاً ( سمح العضا ) و ( ام العيون السمايح ) ولكنهم يحتفضون للمرأة الممتلئة الجسم المكتنزة ، التى تحافظ على زيها واناقتها تامة دائماً بلقب : ( سفينة او مركب ) فهي حين تُقْبل تشبه المركب الممتلئة بحمولتها وزينتها . نتواصل ..