أثر وحدة التكوين في رؤية العمل الفني

أثر وحدة التكوين في رؤية العمل الفني

حوار وتصوير : ابو بكر مصطفى خليفة

ما هي علاقة التكوين في العمل الفني؟ وهل تلعب وحدة التكوين منظاراً للناقد أو المشاهد للعمل الفني؟ وماذا عن الحركة المنتظمة والدائبة اللانهائية داخل اللوحة التشكيلية؟ وما مدى الاستفادة من الجص الطيع وغيرها في العمل التشكيلي؟ هذه التساؤلات توجهنا بها للدكتور ضوء بركة منسق شعبة التصميم الداخلي بقسم الفنون التشكيلية بكلية الفنون والإعلام بجامعة طرابلس والذي تحدث لنا في البداية عن التناقص بين مفهومي الواحد والكثير فقال:

اتضح لنا أن التناقض الظاهر بين مفهومي الواحد والكثير سرعان ما ينحل فيما يطلق عليه (الوحدة العضوية)، أو الكلي، وهو المفهوم الذي تتحقق فيه فكرة الوحدة التي تتحمل الكثرة وتقبلها داخلها، بل تعمل على دعمها وتأكيدها، وتجد هذه الوحدة نجاحها الأكبر في الكثرة التي توثق فيها حيوية وصلابة هذه الوحدة.

نحن نطالع مثل هذه العلاقات المركبة في تطور اليد البشرية، فمع تزايد رهافة اليد في التقاط الأشياء والتعامل معها، فإن ذلك التطور لا يتحقق منعزلا عن باقي أجهزة الكائن، فعن طريق تزايد التناغم بين منح حرية اكبر لحركة مفاصل الأصابع واكتساب نمو أدق وأكثر تخصصا وتفصيلا للعضلات، يتم أيضا انتشار أوسع للخلايا العصبية، وتزيد كذلك كفاءة عمل الجهاز الدوري المغذي لهذه الأطراف، ومع ذلك فإن كل هذه التغيرات لا تنال فرصتها دون تطور الأطراف السفلية أيضا بحيث تستطيع القيام بمسئولية الحركة منفردة، ثم إلى جانب هذا كله، هناك ضرورة وجود الخلايا المخية الموائمة للتحكم في إمكانيات تلك الأيدي وإلا أصبح الأمر كله عبثا لا طائل من وراءه.

 

وكيف نشاهد ذلك في اللوحة التشكيلية؟

أننا نجد ذلك في ترابط هذا النظام الشامل تنامياً متراكماً، تتضاعف فيه إمكانات الكائن الكلية. هذه السيطرة الكلية والترابط بين أطراف الكثرة المتناثرة هو ما نجده أيضا في اللوحات التي تبلغ أرقى مستويات الإبداع الفني حتى وان لم تتجاوز مرحلة الرسم التخطيطي “الاسكتش”.

هل لك أن تعرض لنا مثالاً على ذلك؟

من الأمثلة الرفيعة لهذا الترابط المتماسك بين الأجزاء، رسم صغير من عمل “رمبرانت” يمثل ثلاث نساء وطفلاً، ويكشف لنا هذا العمل عن نجاحه في توزيع شخوصه الأربعة في شكل حلزوني مائل يدفع عين المشاهد إلى الهبوط من أعلى إلى أسفل في قوس منحني يبدأ من السيدة الواقفة في أعلى وحتى الطفل الجالس وقد استدار بظهره نحونا، مما يدفعنا إلى معاودة التطلع إلى السيدة الواقفة ثانيا، مكررين نفس الخطوات السابقة كما في الرسم أمامنا وتفاجئنا هذه الحركة الدائبة التي تفرض على عين المشاهد، وقد صدرت عن أوضاع لأشخاص هم في واقع الأمر في حالة من الاستغراق في سكون تام.

كيف تتم الحركة المنتظمة دائبة لا نهائية داخل اللوحة؟

نرى أن اتحاد العناصر الفردية متمثلة في أوضاع الأشخاص معا في وحدة كلية ينبعث منها حركة منتظمة دائبة ولا نهائية داخل اللوحة، وعندما نقارن هذا الرسم الفائق الحيوية رغم بساطته مع ما تشدق به رواد المستقبلية فيما بعد عن محاولاتهم التعبير عن الحركة، سوف ندرك على الفور مدى سطحية الحلول العينية المطروحة فعليا، وأيضا يكشف لنا هذا عن مدى تراجع بعض المدارس الفنية الحديثة فيما قدمته من حلول لمعالجة مشكلات فن التصوير مثل الجص الطيع في الفن التشكيلي.

ما أهمية الجص الطيع في الفن التشكيلي؟

الجص الطيع Stucco: نوعية من الجص القابل للتكيف.. مصنع من الجير الجاف.. المنزوع منه الماء.. “كربونات الكالسيوم”.. المخلوط مع مسحوق الرخام والغراء.. وفي بعض الأحوال يقوى ويزيد تماسكه بالشعر ويستخدم عادة الجص الطيع في إنتاج الأعمال النحتية والزخارف المعمارية داخل المباني وخارجها على حد سواء.. والمصطلح في معناه الواسع يستخدم لبياض الطبقة الأخيرة للمباني من الخارج.. إلا أن “الجص الطيع.. Stucco” يختلف في الأساس عن الجص المستخدم في البياض.. “المكون من سلوفات الكالسيوم” و “الجص الطيع” في معناه المحدود الضيق عرف في واقع الأمر بكل الحضارات السالفة.. ففي أوروبا استخدم على أكمل وجه منذ القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر.. وكان من بين أنصاره البارزين.. فنانون “مدرسة فونتنبلو – School of Fontainebleau”.. والمثال الإيطالي “جياكومو سير بوتا – Giacomo Serpota”.. “1656 – 1732” وهذا ما يطرح في جملة ما يطرح الواقعية المثالية.

ما هو المقصود بالواقعية المثالية؟

الواقعية المثالية Super Realism: هي إحدى أساليب فن التصوير “وبدرجة اقل نسبيا في مجال فن النحت”.. وأصبح لها شعبية ملحوظة منذ ستينات القرن العشرين.. في أمريكا على وجه الخصوص.. وأيضا في بريطانيا. ويتميز هذا الأسلوب بالدقة المتناهية في رسم الموضوعات مع الاهتمام بالغ بالتفاصيل التي ليس لها صفات شخصية. وتعتبر “الواقعية المفرطة – Hyperealion” و “الواقعية الفوتوجرافية – PhotographicRealism”.. أو “Photorealism” أسماء مترادفة للواقعية المثالية.. وبعض الفنانين المزاولين لهذا الأسلوب ينجزون صورهم من الصور الفوتوجرافية في واقع الأمر.. وفي بعض الأحيان يرسم البعض من الصور المسلطة مباشرة على التوال عن طريق الشرائح الملونة المكبرة “بالبروجكتور”.. وهكذا توزع التفاصيل الحادة والواضحة بالتساوي على اللوحة.. “وما عدا ما تكون بعيدة عن بؤرة العدسة المسجلة بأمانة”.. إلا أن النسب تكبر في بعض الأحيان بشكل ضخم. ويفضل بعض نقاد الفن الغربيين مصطلحي “الواقعية الفوتوجرافية – Photographic Realism أو Photorealism”.. عندما ترسم اللوحة مباشرة من الصور الفوتوجرافية فقط.. إلا أن معظم الفنانين لم يكونوا مقيدين ومحصورين إلى هذا الحد.

كلمة أخيرة تحب أن توجهها في نهاية هذا اللقاء؟

اشكر الصحيفة على إتاحة الفرصة لي للتعريف ببعض جوانب الفن التشكيلي وتمنياتي لكم بالتوفيق.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :