كان للمرأة الأمازيغية عبر التاريخ مكانة عظيمة، إن لم نقل مقدسة في المجتمع الأمازيغي، وحظيت بمكانة مشرفة وصلت إلى درجة تقديسها “الإلهة تانيت”، كما تبوأت المرأة الأمازيغية مناصب هي حكر اليوم على الرجال، فكانت قائدة للجيش، وزعيمة للقبيلة، وملكة وأميرة جلست على عرش مناطق واسعة في شمال أفريقيا، ومقاومة حملت البندقية، وهذا ما تؤكده الدراسات التاريخية والأنتروبولوجية الحالية.
كما تجسد هذه الدراسات فلسفة الأمازيغ عبر العصور اتجاه المرأة، وما تتمتع به من مكانة وحرية واسعة في المجتمع الأمازيغي، وبرزت عدة نساء أمازيغيات قاومن وكافحن وصنعنا مجد الحضارة والتاريخ الأمازيغي.
الملكة.. ديهيا:
هي ملكة أمازيغية جَمعت بين الجمال والدهاء، والتي قال عنها المؤرخ ابن خلدون “ديهيا فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها”، وهي قائدة عسكرية وملكة أمازيغية خلفت الملك أكسيل في حكم الأمازيغ، مملكتها ممتدة الأطراف في شمال أفريقيا من الجزائر وتونس وليبيا والمغرب، وقد اتخذت من مدينة خنشلة في جبال الأوراس عاصمة لها.
قادت الملكة ديهيا عدّة حروب ومعارك ضد الرومان والبيزنطيين والجيوش العربية، وألحقت بهم هزائم متتالية تمكنت معها من استعادة معظم أراضي مملكتها بما فيها مدينة خنشلة، كما تمكنت من توحيد أهم القبائل الأمازيغية حولها، واستطاعت أن تلحق هزيمة كبيرة بجيش القائد حسن بن النعمان عام 693 وتمكنت من هزمهم وطاردتهم إلى أن أخرجتهم من تونس الحالية.
قال عنها المؤرخ ابن عذارى المراكشي: “جميع من بأفريقيا من الرومان منها خائفون وجميع الأمازيغ لها مطيعون” فيما قال عنها المؤرخ الثعالبي: “وبعد معركة صارمة ذهبت هذه المرأة النادرة ضحية الدفاع عن حمى البلاد”واستشهدت تيهيا وهي تدافع عن أرضها في معركة ضارية ضد العرب.
الملكة.. تين هينان:
هي ملكة أمازيغية انطلقت من تافيلالت بالجنوب الشرقي المغربي، لتحكم قبائل الطوارق، بالصحراء الكبرى، الجنوب الجزائري وأزواد حاليا، قاومت ودافعت ببسالة وقوة عن الأرض والوطن ضد الغزاة الرومان و من قبائل النيجر وموريتانيا الحالية، وقالت عنها مصادر كثيرة “إنها كانت امرأة جميلة، طويلة القامة، كاريزماتية، قوية الشخصية، جمالها كان لا يقاوم”.
تين هنان، نصبت ملكة بعد استقرارها في “اللهقار” بالجنوب الجزائري، بسبب إمكانياتها وقدراتها الخارقة للعادة، لتحكم عددا كبيرا من القبائل الأمازيغية في الصحراء، قبائل الطوارق الحالية في بلدان الصحراء الكبرى الإفريقية، والتي تتوزع حاليا بين الجزائر وليبيا وموريتانيا والنيجر ومالي وتشاد.
شيدت “تينهينان” صرح مملكتها وأدخلت تقاليد وخلقت مجتمع مزدهر ومتطور في الصحراء الكبرى بفضل العلاقات التجارية مع القوافل التي تقطع الصحراء، وسيطر بسياستها على المنطقة.
وفي دراسة علمية حديثة على هيكل عظمي نسب للملكة”تين هينان” اكتشف المؤرخون أنها كانت امرأة عرجاء، وهذا ما يؤكد ما ورد في كتاب ابن خلدون عن تاريخ البربر الذي يشير إلى وجود امرأة عرجاء هي سلف لكل الرجال الملثمين ( يقصد الطوارق ).
زوجة الملوك..النفزاوية:
زوجة الملوك، ومهندسة دولة المرابطين، “كانت من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة” حسب ابن خلدون، وكتب عنها ابن الأثير في الكامل بأنها “كانت من أحسن النساء ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين” كما وصفها صاحب كتاب “الاستقصاء” علاقتها بيوسف ابن تاشفين بأنها “كانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب.”
هي زينب بنت إسحاق الهواري المعروفة “بالنفزاوية” نسبة إلى نفزة أمازيغ طرابلس الغرب، كان والدها تاجرا من تجار القيروان، تزوجت وانتقلت إلى جماعات أغمات بإقليم الحوز “70 كيلومتر عن مدينة مراكش”، طلقت عدة مرات، قبل أن تتزوج يوسف بن تاشفين الذي يعتبر المؤسس الفعلي لمدينة مراكش سنة 454، فكان لها دور كبير في إرساء دولة المرابطين.وتقول الروايات المتعددة بأن “النفزواية” كانت لها زيجات متعددة حتى أنها لقبت بزوجة الملوك، كانت أولى هذه الزيجات بأحد حكام “جماعة أغمات ” ثم أصبحت من بعده زوجة لأمير أغمات لقوط بن يوسف، ويقال إنها تزوجت بالأمير أبي بكر بن عمر فشرع في تشييد مراكش لتقيم بها ولما عزم على خوض حروب في أفريقيا جنوب الصحراء لم يشأ أن يتركها معلقة أو أن يأخذها معه إلى الصحراء لعدم استطاعتها العيش هناك، فطلقها وقال لها ”إني راجع إلى الصحراء وأريد الجهاد بالسودان، ولعلي أرزق بالشهادة، فلا أحملك ما لا تطيقين”.
كما كانت النفزوية توصف بالحكمة والذكاء إضافة إلى كونها شديدة الجمال والحسن، ذات عقل رصين ورأي سديد، ولها يعود الفضل في بناء مدينة مراكش.
المقاومة.. عدجو موح:
عدجو مُوح نايت خويا علي، من أيت معرير قبيلة تاغيا نلمشان، امرأة أمازيغية قوية مكافحة لقنت المستعمر الفرنسي درسا بالغا في الشجاعة فوق جبال أسامر، انخرطت إلى جانب الآلاف من المقاومات والمقاومين في جبهات القتال بمعركة بوكافر الشهيرة، واستطاعت أن تقتل أزيد من 40 عسكريا فرنسيا دفعة واحد.
وأجمعت الروايات والكتب التي تطرقت إلى المعارك التي خاضها المقاومين في جبال أسامر، على بسالة العطاويات في الدفاع عن أراضهن ومواجهتهن للمستعمر الفرنسي بشجاعة ناذرة، كما وصف الضابط الفرنسي “كاترو ” الذي شارك في الحرب على المقاومين في جبل بوكافر، المرأة العطاوية ” بأنها كانت تسلل بشجاعة خارقة لموارد المياه تحت نيران رشاشاتنا، ويسقط أغلبهن لكن الباقيات تواصلن مهامهن البطولية، وتحسسن المقاتلين بالزغاريد المدوية، كما يقمن بتوزيع الذخيرة والمؤونة ويأخذن مكان القتلى لتعويضهم، وفي غياب الأسلحة يدحرجن على المهاجمين من قواتنا أحجارا ضخمة تنشر الموت حتى قعر الوادي وهناك أسماء لمقاومات “.
العالم الأمازيغي/ منتصر إثري