أشياء لم يخبروني بها

أشياء لم يخبروني بها

بقلم :: غادة مصطفى الشريف

كبرت يا أبي؛ وأصبح لي اثنان وثلاثون سنا؛ كسرت سني الأمامية حين كنا نلعب في المطر وأنا طفلة، تبللت كثيرا ووبختني يا أبي وبرغم حزني على منظر فمي ووجهي بشكلها الجديد، لكنك لم تخبرني يا أبي أن سني هذه تعادل وجود أقرب الاحبة لي، بعدما تكسر الحياة وجودهم فينا! حين كنت طفلة كنت أقتطع الطعام بسن أخرى؛ كنت أرتبك حين أضحك، وأضع يدي على فمي لألا تظهر سني المكسورة أمامهم، لكنني حين كبرت يا أبي اضعها لكي اخفي خجلي وبحة صوتي وخوفي .. كبرت يا أبي ولم تخبرني أن كسر سني من اقل ما يمكن ان يحدث لي؛ وأن كسرة قلبي أعمق وأكثر هلعا وأن هذا الفراغ لا يظهر للناس .. لكنني أحاول باستمرار أن أخفيه عنهم ؛ وحتى عنك يا أبي ! كان لسني بديل لكن لا بديل لوجود اشخاص تحمل الحياة بداخلنا لهم اماكن لا يمكن ان يملأها غيرهم .. وبعد ان كبرت قليلا عالجت سني الامامية المكسورة وحشوت مكان كسرها فباتت كأنها حقيقية! لكنني لا اجد شيئا يشفي شق روحي ويملئ فراغ وجدي كم هي قاسية الحياة يا ابي ؛ كم هي قاسية.. و حارقة جدا فلا برد الشتاء ؛ ولا الماء يستطيع إطفاء حريق قلبي حين يشعلني الحزن لم تخبرني يا أبي أن ظمأ العطش أقل ضررا من ظمأ العاطفة و الاحتياج ومن ظمأ الأمان .. آه لو تدري كيف تبدو صحراء روحي قاحلة؛ وكيف يغزوها صبار الاشتياق الشوق الذي يعتريني لأبسط الأشياء .. حتى لتوافه الامور.. اه لو تدري أنني حين سأطفئ شمعة عمري العشريني .. ابدو أكبر بكثير من عمري لماذا لم تخبرني؟ أن العمر لا يقاس بالزمن؟ بل بالأحداث والمحطات في الحياة فنحن نبدو اكبر بكثير ، حين يمر علينا أناس ثم يرحلون لأي سبب تاركين خلفهم ندبة من سنين العمر .. لم تخبرني يا أبي أنني كلما أطفأت شمعة، طفيت في أعماقي شيئا كان يمثل ابتسامتي ! ولم تخبرني أيضا يا ابي أن الابتسامة لها أكثر من نوع وأكثر من حالة فهنالك ابتسامات عابرة، لأشخاص عابرين فلا نستخدم الا عضلات فمنا لنكون اكثر لباقة معهم .. وهنالك ابتسامات قاتلة؛ لأناس كانوا يوما لنا نصف حياة ونصف روح لكننا نبتسم لصورهم ؛ لذكراهم . وهنالك ابتسامات ماكرة، لأناس عبرونا ولم يعبرونا بسلام بل طعنوا ظهورنا أكثر من مرة ! بنفس السكين ونفس المكان و نفس الابتسامة لكنها تبدلت ؛ كما مواقعهم في قلوبنا. وهنالك ابتسامات نادرة ؛ لأناس طيبين ومؤثرين؛ يتركون خلفهم طيب الاثر وجميل السيرة ويوقعون حسن السلوك بامتياز فنتأثر بهم، ونفرح بهم ، ويكون الحديث معهم عميق ونبتسم لهم ابتسامات عميقة؛ وليست مجرد ابتسامات .. انت لم تخبرني يا أبي أنني سأواجه الحياة وحدي .. مع كل هؤلاء

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :