- سلمى عداس
في ليبيا، تستمر قضية أصحاب الرقم الإداري كجرح مفتوح في الجسد الاجتماعي والإنساني، على الرغم من القرارات الحكومية التي صدرت مؤخرًا لحل الأزمة.
هذه الفئة، التي عاشت لعقود على هامش المجتمع، تواجه اليوم واقعًا معقدًا بين وعود الإصلاح وتحديات التنفيذ.
القرارات التي صدرت خلال عام 2024، والتي هدفت إلى منح هذه الفئة جزءًا من حقوقها، أظهرت جدية أكبر في التعامل مع المشكلة، إلا أن الطريق نحو الحل النهائي لا يزال محفوفًا بالصعوبات.
ما بعد القرارات: تطورات مشجعة ولكن غير مكتملة.
في فبراير 2024، أصدرت حكومة الوحدة الوطنية قرارات طال انتظارها تهدف إلى تحسين أوضاع أصحاب الرقم الإداري.
من بين هذه القرارات السماح لأطفال أصحاب الرقم الإداري بالالتحاق بالمدارس العامة بشكل مؤقت، بالإضافة إلى إطلاق مبادرة وطنية لحصر العائلات الحاملة للأرقام الإدارية لتوثيق معلوماتهم تمهيدًا لمنحهم وثائق رسمية.
كما أكدت الحكومة التزامها بمنحهم منحة الزوجة والأبناء التي كانت مطلبًا أساسيًا من المجتمع المدني، لا سيما في المناطق الجنوبية.
قرارات أخرى صدرت عن مجلس النواب أكدت ضرورة مراجعة ملفات الأرقام الإدارية، خاصة المتعلقة ببعض القبائل الليبية التي عانت هذه المعضلة، مع وضع معايير واضحة لمنح الجنسية للمستحقين.
هذه التحركات جاءت بعد سنوات من المناشدات والمطالبات، ما أعطى بصيص أمل لهذه الفئة.
ولكن مع هذه الخطوات الإيجابية، ظهرت تحديات جوهرية تعيق تحقيق هذه الوعود على أرض الواقع.
التحديات التي تعترض التنفيذ
رغم صدور القرارات، فإن العقبات العملية والإدارية لا تزال تلقي بظلالها على القضية. أهم هذه التحديات هي البيروقراطية المعقدة داخل المؤسسات الحكومية، حيث يشتكي أصحاب الرقم الإداري من بطء الإجراءات وصعوبة الوصول إلى المعلومات حول وضعهم القانوني.
إضافة إلى ذلك، تفتقر بعض المناطق في الجنوب إلى البنية التحتية اللازمة لتنفيذ هذه القرارات، مما يعيق تسجيل الأطفال في المدارس أو منحهم الوثائق الشخصية.
التحديات الأمنية والسياسية تزيد الوضع تعقيدًا.
الانقسامات السياسية بين الحكومات المتنازعة في ليبيا تجعل تطبيق القرارات على المستوى الوطني أمرًا صعبًا.
في بعض الأحيان، يتم التعامل مع القضية من منظور جهوي أو قبلي، مما يعطل الحلول الشاملة. على سبيل المثال، المناطق التي تعاني من نزاعات أو ضعف في السلطة المحلية تظل الأكثر تهميشًا لهذه الفئة.
إضافة إلى ذلك، تعاني المبادرات المتعلقة بحصر الأسر وتوثيقها من نقص التمويل والدعم اللوجستي.
الآلاف من هذه الأسر لا تزال تعيش في مناطق نائية يصعب الوصول إليها، ما يجعل عملية جمع البيانات وتحليلها بطيئة وغير دقيقة.
علاوة على ذلك، هناك غياب للتنسيق بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني، مما يعيق جهود التوعية والمتابعة.
الواقع الاجتماعي والاقتصادي لأصحاب الرقم الإداري بعد القرارات.
على الرغم من الخطوات التي تم اتخاذها، لا تزال الفئة تعاني من التهميش في العديد من الجوانب اليومية.
في مجال التعليم، لم يتمكن الكثير من الأطفال حتى الآن من الالتحاق بالمدارس، إما بسبب التأخير في تنفيذ القرارات أو بسبب نقص الموارد في المؤسسات التعليمية.
الوضع في قطاع الصحة لا يبدو أفضل؛ فمعظم المستشفيات العامة لا تزال ترفض استقبال أصحاب الرقم الإداري بسبب عدم وجود وثائق رسمية تثبت هويتهم.
أما في سوق العمل، فلا يزال أصحاب الرقم الإداري محرومين من فرص التوظيف الرسمية.
غياب الوثائق القانونية يجعل من المستحيل تقريبًا على هذه الفئة الاندماج في الاقتصاد الرسمي، ما يدفعهم إلى العمل في وظائف غير مستقرة وبأجور زهيدة. هذا الوضع يؤدي إلى استمرار دائرة الفقر والتهميش.
ما المطلوب لتحويل القرارات إلى واقع ملموس؟
لحل أزمة أصحاب الرقم الإداري بشكل حقيقي، يجب على الجهات المعنية العمل بجدية أكبر لتجاوز التحديات التي تواجه التنفيذ.
أولى الخطوات تتمثل في تسريع عملية توثيق ملفات الأسر ومنحهم وثائق رسمية بشكل فوري للمستحقين، دون تعقيدات إدارية لا طائل منها. من الضروري أيضًا تحسين التنسيق بين الحكومات المحلية والمركزية لضمان تنفيذ القرارات بشكل متساوٍ في جميع المناطق، خاصة الجنوبية.
يجب على الدولة أيضًا توفير دعم لوجستي ومالي كافٍ لإنجاح المبادرات الوطنية المتعلقة بحصر الأسر وتقديم الخدمات الأساسية.
تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية يمكن أن يسهم في تحسين كفاءة التنفيذ، سواء من خلال تقديم الخبرات الفنية أو الدعم المالي.
على الجانب الاجتماعي، يتطلب الأمر تنظيم حملات توعية شامله لكل فئات المجتمع المدني تستهدف هذه الفئة والمجتمع بشكل عام لتوضيح حقوقهم والتحديات التي يواجهونها. الإعلام يمكن أن يكون شريكًا أساسيًا في هذا الجهد من خلال تسليط الضوء على معاناة هذه الفئة ومتابعة تنفيذ القرارات.
ختاماً : إن القرارات التي صدرت في عام 2024 كانت خطوة مهمة نحو إنهاء أزمة أصحاب الرقم الإداري في ليبيا، لكنها ليست كافية وحدها لحل المشكلة. بدون إرادة سياسية قوية وتنسيق فعال بين الجهات المعنية، ستظل هذه الفئة تعاني من التهميش والحرمان. أصحاب الرقم الإداري ليسوا مجرد أرقام إدارية، بل هم بشر لهم حقوق وآمال وطموحات تنتظر الاعتراف.
إن معالجتهم ليست فقط واجبًا قانونيًا وإنسانيًا، بل ضرورة لتحقيق الاستقرار والعدالة في ليبيا.