قصاصات صحفية قديمة

قصاصات صحفية قديمة

  • أ :: المهدي يوسف كاجيجي

ياغمة …. البترول !!

(هذه قصاصات لكتابات صحفية، مضي على نشرها ما يقارب نصف قرن، تغيرت فيها الدنيا. نعيد النشر بعد اختزال النص الأصلي، بما يتناسب وفكر جيل الأحفاد الرقمي، ليعرفوا كيف كان زماننا.)
ياغمة .. البترول!!
في أول العام الدراسي الماضي أضرب طلبة أحد المعاهد التعليمية، وحضر وفد يمثل الطلبة إلى مكاتب جريدة “الحرية” وقدموا مطالبهم، وكان من أهمها:(1) القيام بتنظيم رحلات ترفيهية إلى الخارج لأوروبا وبعض الاقطار العربية،(2)تغيير قائمة الطعام المقدم اليهم إلى مستوى افضل مما هو عليه والتخفيف من الارز والاكثار من اللحم.(3) تغيير عنابر النوم وتخصيص حجرة لكل طالب بأثاث حديث.
تصوروا.. من أجل ماذا أضرب أبناؤنا ؟!، من اجل رحلات ترفيهية واستبدال الأرز بالاسباجيتى. وعندما سألتهم: أليس هذا مبالغ فيه ؟ قالوا رعاهم الله: وعلاش لا! .. احنى بلاد بترول، والفلوس واجدة. وعقب آخر :هلبة .. هلبة.

شهر عسل على حساب الحكومة !
ومن منطلق الخير “واجد.. وهلبة.. هلبة” سيطرت على عقولنا ثقافة السفه والتبذير. ولنضرب لكم واحداً من الأمثلة الأكثر تداولا الآن، وهو قرار الحكومة بالعلاج في الخارج لمن استعصى علاجه محليا. ولكن ماذا حدث؟ تحول جل شعبنا إلى مرضى يعالجون في الخارج، واقسم بالواحد الأحد أنه لو تم الكشف الدقيق على معظم من سافروا لاكتشفنا أن معظمهم اصح من الثور. ولكن ولأنها “ياغمة” وفلوس “واجده، وهلبة.. هلبة” فلا مانع ان يسافر الجميع، مريضا أو مرافقا على حساب الحكومة. وانا اتذكر ان زميلا لنا عندما تزوج اقترح عليه، الحصول على رحلة شهر العسل، على حساب وزارة الصحة، وفعلا سافر العريس إلى لندن، كمريض والعروس كمرافق له وصرفت لهما التكاليف كاملة وقضيا شهرين كاملين للعسل على نفقة الحكومة الرشيدة.

شعب موظف !
ولأننا بلد بترول، وفلوس “واجد.. وهلبة.. هلبة” فلقد تحول معظم أبناء الشعب إلى موظفين تابعين للدولة، وتحولت المصالح الحكومية إلى مراكز تجمع “لتنابلة ” السلطان يتم إحضار الخبيزة بالتن ومعها شيشة “ميريندا”، ويبدأ الإفطار، بعدها تصفح الجريدة، ثم تبدآ جولة التهدريز في المكاتب. ولأنها “ياغمة” فقد ترك الفلاح ارضه، والعامل مكان عمله، لينضم الجميع إلى طوابير التنابلة والعاطلين المدرجين في قوائم الرواتب والكادر الوظيفي. كل ذلك في الوقت الذي تستقبل فيه بلادنا اعدادا كبيرة من اجناس مختلفة، من كل ملة ودين، تحت ضغط الحاجة للأيدي العاملة والخبرات الأجنبية وندرتها، هذا ما حدث. ولأننا بلد بترول، وفلوسنا ” واجدة.. وهلبة.. هلبة “فقد ماتت أرضنا الزراعية وصرنا بلدا مستوردا للملح والمعدنوس.

والسؤال الآن: ما الذى يريده شعبنا بالفعل؟!، إن الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع، أن هذه الثروة ليست ملكا لنا وحدنا، ولكنها لأجيال قادمة، من حقها علينا أن نحافظ لهم عليها، وأن نستثمرها لهم من أجل مستقبل أكثر رخاء، على اعتبار أن الياغمة البترولية لن تدوم إلى الأبد، وعمرها قصير جدا، ولكن أن يتم إدارة هذه الثروة بمبدأ “اصرف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب” فهذه جريمة ستوصم جيلنا بوصمة عار لن تمحى أبدا. نحن بحاجة إلى خطط تنموية ووعي شعبي من أجل مستقبل واعد لأجيالنا القادمة. وإذا دام هذا الحال غنوا معي: “افرح يا قلبي وغني وقول *** على بلادك كثر البترول”.

المهدي كاجيجي، جريدة الحرية 30 يوليو 1966م.

إيضاح
بعد ثلاثة سنوات وثلاثون يوما من كتابة هذا المقال، ومطالبة المضربين برحلات ترفيهية للعواصم العالمية، والاكثار من اللحم واستبدال المكرونة ب ” الاسباجيتي ” سقط النظام الملكي، وخرجنا جميعا فى مظاهرات ترحيبية نصفق فيها للقادم المجهول، وجلسنا طويلا أمام شاشات “التليفزيون” نتمتع بمشاهدة محاكمة من تبقى حياً من الآباء المؤسسون لدولة الاستقلال، واطلقنا عليهم اسم “العهد المباد”. وطرح النظام الجديد شعار ” الثروة والسلطة والسلاح بيد الشعب” ولكنه ظل محتفظاً بها حتي سقوطه فقام بفتح مخازن السلاح امام الشعب ليواصل قتال بعضه البعض إلى يومنا هذ، الغريب أنه وبعد مرور ما يقرب من نصف قرن من نشر المقال، خرج الشعب نفسه فى مظاهرات ضد الجوع والفساد والخدمات المتدنية والنزوح والعطش والإظلام التام والدمار الكامل الذى لحق به في كل مناحي حياته.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :