- اية سالم
أحيانًا ينزوي المسلم على نفسه ولا يهب لنصح غيره ويكتفي بنفسه فقط لكن المسلم – كما يقول الدكتور مجدي -: “ليس عليه فقط أن يكون صالحًا في نفسه، بل عليه أن يعمل على إصلاح غيره..
قال تعالي {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17].وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف:170]. فالدعوة إلى الله هي عمل الرسل وأتباعهم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]. ونجاح الداعية في دعوته للناس يعني التأثير الإيجابي فيهم.. هذا التاثير يستلزم وجود روح حي، ورغبة جارفة تهيمن على قلبه تستحثه لإنقاذ الآخرين، فيخرُجُ كلامه محملًا بالحرقة والشفقة عليهم.. ولا يمكن التلبس بهذه الحالة إلا من خلال يقظة الإيمان وتمكنه في قلبه. الإيمان الحي يدفع صاحبه للبدء بنفسه في القيام بالعمل الصالح قبل أن يدعو الناس إليه، فيصدق قوله فعله، ومن ثَمَّ يزداد تأثيره في الآخرين.: كما يقال “الكلمة البسيطة التي يصاحبها الانفعال، ويؤيدها العمل هي الكلمة المثمرة، التي تُحرك الآخرين إلى العمل”. وكذلك : أيما داعية لا يصدق فعله قوله، فإن كلماته تقف على أبواب الآذان لا تتعداها إلى القلوب مهما كانت كلماته بارعة، وعباراته بليغة”. لا زالت أختي في حيرتها غارقة، لا تدري كيف تصل هذه، وكيف تكلّم تلك، لا تدري كيف تتوجه لأخيها أو كيف تحث صديقتها المقربة على الحجاب! لا تدري كيف تقول لتلك التي كشفت مفاتنها أمام الشبّان بأن للستر طعمٌ أحلى من السكر.. وأن كشفَ المفاتنِ ليس إلا مرارة وحرقة! لا تدري كيف تقول لزميلتها التي قالت لها قبل فترة “أفكر بالحجاب والجلباب”، أن الرقص كالأجانب أمام الشبّان لا يزيدها إلا بُعدًا عن الطريق! وأن التي تصرّح تصريحًا كهذا ثم تنكص على عقبيها يجب أن تخجل من نفسها وأن تنكسر بين يديّ الله على ما قدّمت يداها! لا تدري كيف تقول لزميلتها التي سألتها بعفوية “متى يكون الدعاء؟”، فأجابتها -حينها- بحنان، بأن الدعاء يكون في وضعية السجود وأنها تكون أقرب ما تكون من ربّها وقت السجود.. لا تدري كيف تقول لها، ربّك يا رفيقة، يقول في القرآن، {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} [العلق:19]، أفلا تقتربين؟ واللهِ يا رفيقة إنك تفوّتين على نفسك الكثير.. أفلا تصلين؟ أفلا تدعين؟ لا تدري كيف تقول لأخيها الذي يحيد كل يومٍ أكثر عن الطريق، بأن كل طريق إلى غير الجنة خذلان، وكل وجهة دون تذكُر اطلاع الله على القلوب.. حرمان…! لا تدري كيف تقول له، بأن صلاة الفجر تجعله أغنى الأغنياء وإن كان يتخوّر جوعًا! لا تدري كيف تقول له بأن الحب مهما بدا طاهرًا لن يكون كذلك إلا حين يكون لله! لا تدري كيف تقول له بأن التوفيق ليس من عند أنفسنا، بل من عند الله! لا تدري! هي كعادتها واقفة، تتأمل الركب السائر المُعرِض عن الله… تتأملهم وتودّ لو تصرخ بهم –بعد أن تُشبع نفسها صراخًا وتوبيخًا- قائلة: “استيقظوا من سباتكم فو الله ما خطا أحد منكم خطوة لا ترضي الله إلا تمنى يومًا أن لو كان مشلولاً لا تعينه رجليه على العصيان…!
علّمها يا ربي.. كيف تدعو الناس إليك بتصرفاتها قبل كلامها.. علّمها يا ربي.. كيف تدعو الناس إليك بطريقة تحببهم فيك وتحثّهم على السير إليك.. علّمها يا ربي كيف تكون صالحة مصلحة.. علّمها يا ربي كيف تلامس أرواح الناس بكلماتها.. علّمها يا ربي.. كيف تجلي الهموم عن قلوب صديقاتها اللائي لم يذقن طعم حبّك بعد.. علّمها يا ربي كيف تبدأ بنفسها قبل كل شيء.. لقد جلست اليوم يا ربي -وأنت بذات صدرها عليم- تتأمل الفراغ المردد لصدى الجملة التي قالها أخوها، “أخاف أن أنجرف معهم.. في طريق الفسوق والعصيان”، لقد هزّت جملته كيانها وزعزتها بكل ما فيها… أخوها! أخوها… أنى لها أن تدله على طريق الله وهي نفسها… في تراجع؟ أنى لكلماتها أن تصل قلبه وينقصها من الإخلاص جرعات؟ فكّرت كثيرًا… وما لبث صوت في قعر رأسها يهمس لها: “أصلح نفسك تصلح لك رعيّتك”! فقامت، قامت لتعد العدة للحرب.. ضد نفسها.. والشيطان! قامت لتتجند حتى تكون قوية لحظة القتال.. قامت والحمد لله الذي أوحى لها بالقيام، قامت لتقف على رجليها بعد سقوط دام مدة طويلة… قامت لتهرع إلى كتاب الله! علّها تولد يومًا ولادة ثانية… علّ الله يهبها طهرًا في قلبها وبياضًا.. علّ الله يمنّ عليها بتوبة لا انتكاس بعدها أبدًا.. فيرزقها الصلاح.. ويعينها على الإصلاح! فالقلوب بيد الله: إن الذي يفتح القلوب لكلام الدعاة هو الله عز وجل فإن رأى منهم صدقًا وإخلاصًا، ورغبة في نفع المدعوين، وشفقة صادقة عليهم فإنه سبحانه يفتح لهم -بفضله- قلوبهم. وكلما علت منزلة العبد عند ربه بالإيمان أحبه الله عز وجل، ومن ثَمَّ وضع له القبول في الأرض كما في الحديث: «إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» (متفق عليه).
أصلح نفسك تُصلَح لك رعيتك: انظر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يمشي بجانب راحلة عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو يوصيه قبل سفره على رأس الجيش المتوجه إلى الشام قائلًا: “يا عمرو، اتق الله في سرائرك وعلانيتك واستحيه، فإنه يراك ويرى عملك.. فكن من عمال الآخرة، وأَرِد بما تعمل وجه الله، وكن والدًا لمن معك، ولا تكشفن الناس عن أستارهم، واكتفِ بعلانيتهم.. “وإذا وعظت أصحابك فأوجز، وأصلح نفسك تُصلَح لك رعيتك”