بقلم :: محمد عمر غرس الله – باحث ليبي
ضل دائما موضوع الصراع على السلطة خارج اطار القانون عملية مغالبة تلحق تدمير حاد بالمجتمع وامكانياته، وهذه المغالبة تعبير عن القوة والفعل، وما المرحلة التي تمر بها امتنا الا مرحلة اختلطت فيها هذه المغالبة في الصراع على السلطة مع اللعبة الدولية التي امتطت بل وصنعت في احيان كثير المسببات لتحقيق ما تريد عبر القدرة على ادارة (المال والاعلام والفتوى)، ولم يكن ذلك في معناه السياسي فقط بل في الاجتماعي والاقتصادي العميق المتعلق بالنهب والمرتبط بالسيطرة على المال والموارد الامكانيات عبر تمكين وصناعة مجموعات تشكل “اولغارشيا Oligarchy” بمعناها المطلق او المحدود، وتوفر الظروف لنشوء المليشيات التي هي عبارة عن اداة من نوع خاص تحمى سلطة “الاولغارشيا” المرتبطة باللعبة الدولية (حكومة خفية تتمظهر كل مرة بشكل تدير لعبة الاغراء والتدمير) التي تاريخيا تؤسس لحكم او سيطرة اقلية مرتبطة بها طبقيا او فئويا او قبلية او أسريا.
إن الحركات “الشعوبية” التي انتعشت مع الربيع العربي وتحصلت على الدعم التام والكامل من اللعبة الدولية واستفادت من التقاتل الداخلي والصراع القبلي الغبي الغشيم كما في ليبيا، هي حركات “اوليغارشية” في الحقيقة، تستفيد من الظروف العامة التي تنشأ وتحدث فتحقق اولغارشيتها، ولذا تنشاء في الحقيقة “الحركات الشعوبية” لتحقيق “اولغارشية” – معينة – تصنع هي أسبابها ودوافعها وتقوم بتصعيدها للسطح تنظر لها وتجعلها مبرر وأساس لدعوتها “الشعوبية” التي هي حالة “مرضية” في عمقها بدون أدنى شك.
أيضاً من ناحية اخرى نرى ذلك في اطار الجماعة الواحدة، فالقبيلة لها اولغارشيتها التي تستفيد من الحالة والشعور العصبي للافراد في القبيلة لتحقق اولغارشيتها على قبيلتها ذاتها، فالقبيلة في البلدان التي اجتاحتها أفة الربيع العربي وصعدت فيها قبائل، سرعان ما تمظهرت اولغارشيا تستفيد من الروح العصبية وتسخرها بقوة لتحكمها في تسيير ارادة العصبية القبلية وتضرب بها حيثما تريد ومع من تتحالف متى واين تريد دون اي رادع كما في ليبيا واليمن تحديداً.
هذا الامر ايضا في الجماعات الفكرية المنظمة التي تعمل تنظيميا، فهي ايضا تصنع حالتها الاولغارشية داخلها ويصبح داخلها تمايز طبقي ينتج من ظهور فئات داخلها فتتمظهر اولغارشيا تهيمن بقوة على وحدة الجماعة وتصبح مع الزمن سلطة اقلية مصدر للتحكم داخل جماعتها يسمونها دينيا امير او مفتى ويسمى في النوع الاخر من التنظيمات مسؤل تنظيمي او شخصية لها تاريخ، بينما يأخذ الامر اسما اخر حسب نوع الجماعة واسباب تكونها.
ان حالة المنطقة تنفد فيها المشاريع باللعب على الاشكال المتنوعة من الجماعات التي منها الشعوبية والقبلية والمنظمة فكريا وسياسياً، عبر فن صناعة والتعامل مع “اولغارشيا” ترى انها الاحق بالقيادة والسطوة والكلمة الاولى والاخيرة (ثوار – امارة – مفتي – شيخ … الخ)، فطبيعة الاقلية الحاكمة او المتنفذة بشكل او اخر، إنها انتهازية خاصة حينما تنشا وتصعد على وقع العلاقة بالخارج: من مال وتوجيه وتحكم وتنسيق عن بعد وعن قرب.
ولذا حتى تصنع “الناس” ارادتها وتصنع قادتها الوطنيين الذين يعبرون عن ارادتها الوطنية اكثر من كونهم ادوات، فان “الاولغارشيا” تاكل من وطنها ودمها ولحمها ومواردها في قبائلها وجماعاتها، وتقتات على ظروفها وتسوقها – عبر التنسيق مع اللعبة الدولية واجهزة المخابرات الحديثة – الى الازمات الواحدة تلو الاخرى فطبيعة الاقليات السلطوية انها لا تستطيع ان ترى خارج اطارها الاولغارشي، هي في الحقيقة لا تستطيع شيئا اخر غير ما نراه يحدث في بلداننا اليوم من ارتهان كامل للعبة الدولية ومنع قيام سيادة وطنية وتبذير للموارد والاموال الوطنية ونهبها، والالتفات على اي محاولة إنقاذ.
والله من وراء القصد