بقلم :: محمد بعيو
ألـتـقـي تماماً في ثوابت الدين والعقيدة والشريعة مع الإخوة في الـهـيـأة الـعـامة لـلأوقـاف بالبيضاء، مثلما مع كل مسلم مُوحد سُني في كل مكان، وأختلف معهم في مسائل تفصيلية تتعلق بالمفاهيم الدنيوية والمتغيرات الزمانية، مِن ديـمـقـراطـيـةٍ أراها تُوافق المقاصد الشرعية غير القابلة للتضييق ولا للتأويل، وقد يرونها تخالف محكم الشرع وصحيح التنزيل، ومِن حـريـاتٍ عامة وشخصية أتوسع في النظر إليها مقاصد وغايات وحقوقاً وطبيعة عصر، ويضيقون هم فيها تحسباً للإنحراف ودفعاً مُتصوّراً لأضرارها مقدم عندهم على جلب منافعها، وخوفاً على الأمة وفق منطقهم المفهوم والمحترم من مهاوي الفساد ومزالق الوهن.
وهي اختلافاتٌ لا تُفسد في نظري للود قضية، ولا تقطع وشائج المودة في الله بحواد الخلافات التفصيلية، بما لا يستهين بحدود الله، ولا يُحل حراماً ولا يحرّم حلالاً.
وأفهم بل وأحترم مواقف الإخوة في هيئة الأوقاف، حين يحتجون علناً كتابة وخطابة على بعض الظواهر والتصرفات والممارسات، مثلما كان احتجاجهم الأخير على الاحتفال بيوم الأرض في بــنــغــازي، فذلك هو واجبهم المنطلق من مسؤولية التكليف وموجبات الإستبانة والتبيان، وتلك هي موجبات فهمهم للدين وقيامهم بأمر خدمته وحمايته وفق ما يرونه، وتلك قبل كل شيء طبيعة عملهم، الذي يحتاجه المجتمع جماعات، ويحتاجه الناس فُرادى، وأساس وجودهم الذي لا يستقيم اقتراب الناس من صراط الله المستقيم وشرعه القويم بغير وجوده، للتعليم والتذكير والنصح والإرشاد، مما لا يدخل فيه الزجر والتعزير والعقاب والقصاص والمنع والمنح، وجميعها تنعقد للسلطة شخوصاً يمتلكون شرعية التكليف، ومؤسسات صحيحة التأليف والتوظيف.
وأقول للإخوة المثقفين إن حريتكم في انتقاد كل شخص اعتباري وكل مؤسسة، وهي حرية أحترمها وأتمسك بها، لا يجب أن تجعلكم تتجاهلون الطبيعة الوجودية والتكليفية والوظيفية لــلأوقــاف، ولا تعطيكم الحق في قول ما تريدون في أية مسألة أو شأن، بينما تهاجمون من لا يقول بقولكم، ولا يرى رؤيتكم، بل وتخويف الناس منه وتحريضهم عليه.
نعم أنا كنت حذّرتُ ولا زالت بي خشية، من ظهور بوادر تشدد ديني تأويلي، قد يتجه بسرعة إلى التطرف، الذي قد يتمظهر إرهاباً وعنفاً، ليس في برقة وحدها بل في كل الوطن، لكنني لا يمكن أن أساهم من حيث لا أقصد، ولا أقبل أن يساهم الإخوة المثقفون المدنيون من حيث لا يقصدون في تهيئة بيئة التطرف، بالتشدد في خطابهم المجابه للخطاب الديني المعتدل، ودفع الذين لا يزالون على ناصية الإعتدال من أهل السلف والبيان والتبيين وهُم الكثرة، إلى التمترس دفاعاً عن النفس خوفاً أو عناداً خلف أسوار التشدد، فنخسرهم ويخسروننا، وذلك ما يبتغيه الغُلاة المسرفون المتطرفون التكفيريون، فلا تساعدوهم فيه ولا تُعينوهم عليه.
لــنــتــحــاور في كل شيء، وحول كل شيء، ولـنـتـنـاصـح {طبعاً ليس على طريقة تناصح فضائية الشيخ الصادق التي هي ليست منبر دعوة بل منصة صواريخ}، آمرين أنفسنا وبعضنا بالمعروف، ناهين عن المنكر، متجادلين بالتي هي أحسن، دافعين بالتي هي أحسن، متدافعين نحو الإصلاح والإيلاف والتآلف، وتلك هي المنجاة وذلك شاطيء النجاة.