- سمية خليفة الطالبي
سمية خليفة الطالبي حين أفقد الأمل من الحياة يبعث الله لي بتجارب حية أو ” رسائل قدر” كما أحب أن أصفها، كمشهد ذاك العصفور الذي أخذ يجوب فضاء غرفتي صباحا ، كان يتخبط بالحائط مرارا دون ملل ، استحوذني جهاده العنيف في الطيران و محاولاته اليائسة للخروج . لم يكن هناك غير مخرج واحد من الغرفة وهو الباب الذي دخل منه غير أنه يبحث عن مخرج في الأعلى بين الجدران التي باتت سجنه المؤبد إلى أن سقط من فرط التعب ، ظننته قد مات اقتربت منه أكثر كانت نبضات قلبه لا تزال تنادي بالحياة حملته وأنا أتفحصه خُيّل لي أنه لن يستطيع الطيران بسبب إصابته ولكن ما إن اقتربت من النافذة وأخذ الضوء يتسلل لأطرافه حتى استعاد عافيته بسرعة خاطفة ليحلق عاليا لأنه وجد ما يبحث عنه . إنها الأيادي التي تمنحنا الحياة . الأيادي التي تأخذنا من أقصى مراحل الألم لتعيد لنا الأمل من جديد. الأيادي التي تتشبث بنا على الرغم من إفلاتنا إياها لأنها وببساطة تعرف ” ماهيتنا” تعرف ما كنا عليه قبل أن يبدد اليأس أطرافنا . أحتاج لمثل هذه الأيادي اليوم ، يد تنتشلني من ” اللاشيء” الذي أعيشه الآن. يد تضعني في المكان المناسب لطموحاتي و أحلامي و تخبرني أنه حان دوري ويجب أن أحلق عاليا . يد واحدة فقط ، أستطيع من خلالها أن أتمسك بالحياة أكثر . تخبرني والدتي مرارا أن الصبر هو الحل الوحيد الذي سأجتاز به كل مصاعبي ، تصر على إقناعي أنه الحل الأمثل دون أن ألمح في عينيها دليلا على ذلك ! إنها تقنعني بالصبر الذي لم تجد هي طائلا من انتظاره. ترى هل يؤمن المرء بأشياء لا يصدقها ؟ بالطبع لا ، إن لم يكن هناك صدق لا إيمان أيضا موجود . لم يعد الصبر يجدي معي ، لقد نفذ مخزونه من عندي . رؤيتي للحياة أصبحت رمادية . رمادية جدا يا أمي . رمادية لدرجة لم أجد في نصائحك شيئا لمواجتها . لماذا لم تخبريني أن ” حلم الشباب” كابوس مخيف ، وأن بيت الشعر الذي ترددينه دوما ليعود شبابك لك ما هو إلا وهم وأحزان مضاعفة لمرحلة عمرية زائفة بقدر وجودها . أنا أعيش مرحلة مختلفة كليا عن كونها “شباب ” إنها أعمق . مرحلة بقلب طفل طموح وأعضاء كهل متقاعد ، مرحلة بأعين فتاة حالمة وبأطراف مسنة ، مرحلة يصفها العلم شباب والشيب يغزو ملامحها ! حتى أنهم جعلو من الشيب “موضة العصر ” وهذا أطرف ما في الأمر حقا . إنه التعايش مع النكبات لعل هذا هو “المصل” الوحيد لعلاج العجز الذي نعيشه . لا بأس : سأخبرك أشياء تعرفها جيدا عزيزي ، و ما إخباري لك بها إلا من باب التذكير أو كنوع من المواساة لمد يد العون لك أو لتمد أنت يدك لي . “كل ما تمر به سيختفي لا أعلم متى أو كيف لكنه سيختفي ” إنها لحظات عصيبة يملؤها الفراغ . بلد حزين ، شعب ينزف ، أرواح تغادر تباعا دون سابق إنذار ، شباب شائب وطفولة مهددة بالفناء ، أعين كئيبة ترسم بكبرياء على شفاهها ابتسامة مصطنعة . أدركت مؤخرا أنه حين يعيش المرء تجربة قاسية بكل مقاييسها ومن ثم يتجاوزها يبقى الأمر أقل وطأة من أن يستمع لتجارب غيره و يشاركهم إياها لأنها ستمر من صاحبها لتستوطن فيك ويتكون مخزون ضخم من الأحزان داخلك ليتراكم شعور يقضي مع الوقت على آخر بصيص أمل فيك فما يعود بوسعك خوض تجربة بذاتها. ليحل الصمت، صمت مخيف يسوده الضجيج ! بأرواح ، بتجارب ، بدموع أناس لا مطلب لديهم إلا العيش بسلام ، بحب وهذه الأمنية هي الأصعب على ما يبدو . هناك أيادٍ تنتظرنا لنمسك بها . وهناك أيادٍ ننتظر تمسكها بنا . لن نكمل هذه الحياة بمفردنا لابد من وجودها في مكان ما ، إن لم نجدها ….فلنقدمها …….لنحيا …. لنستمر .