إشكالية السائد وتأسيس الوعي البديل (دراسة تنظيرية في كتاب “إسلام ضد الإسلام” للصادق النيهوم (4)

إشكالية السائد وتأسيس الوعي البديل (دراسة تنظيرية في كتاب “إسلام ضد الإسلام” للصادق النيهوم (4)

     بقلم :: علي عقيل الحمروني 

الطبيعي جداً ( وهي الشريعة الفقهية المدّعاة أنها الشريعة المقدسة في نظر أصحابها ) ، ويرفض بالتالي ما يؤسسها و يتأسس عليها من تصورات عقدية وفقهية ومفاهيمية ، في إطار الثقافة الدينية الرائجة .

       فهذه الشريعة المعطاة – حسب الأستاذ النيهوم – إنما هي شريعة بديل ، تعاني من تورط حادّ في التلاعب بالشريعة الإلهية الحقة ، إلى درجة المسخ والتحريف .

       إذن ، فهذا الحوار المدّعى والذي تقيمه الثقافة الدينية السائدة مع شريعة الله تعالى وترتب عليه آثاراً عميقة وجذرية علمية وعقدية وفقهية…الخ إنما هو في حقيقته حوار مع شريعة مزيفة منحولة ، لا تعبر واقعياً إلاّ عن حالة المجتمع العربي قبل الإسلام ، وامتداده التاريخي والسياسي والثقافي والديني والاجتماعي بعد الإسلام ، بل عن تمثيل حي – غير أنه متموّه – للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية إبّان حكم سلاطين بني أمية وبني العباس ، أو حتى العثمانيين السلاجقة!!

       فالشريعة المقدمة إلينا على أنها شريعة الله سبحانه – حسب رأي الكاتب – إنما هي في الحقيقة انعكاس أمين وطبيعي لعلاقات القوى الاجتماعية والسياسية في المجتمع العربي ، وكيفية توزيعها وثقلها النوعي وماهية الصراعات والهواجس التي تؤطر حركتها أو تدفعها من الخلف ، في إطار ثقافة المجتمع العشائري بأبعادها الأخلاقية و الميثولوجية والاجتماعية .. الخ .

       هذا كله في نظر الكاتب قد تمت بلورته ونسجت خيوطه وتمت ترجمته إلى شريعة شفوية ثُمَّ مكتوبة ، تحاكي بإصرار وعناد شريعة الله الحقة .. بل وتنسب نصها إليه عز وجل شخصياً غير آبهة أبداً بما يبدو من تناغمها العجيب مع واقع العرب التاريخي .

       فهذه الشريعة – حسب الكاتب – تُبدي بشكل لا لبس فيه أدق التفاصيل لعلاقات القوى ، بل وللإستراتيجيات والآليات المستخدمة في الصراع الاجتماعي ، تلك التفاصيل التي تفوح من  أجوائها رائحة البداوة وقيم الصحراء ، وتحتويها مناخات الاستبداد السياسي ، والإقصاء الاجتماعي والثقافي المتبادل ما بين الفئات ، بحسب الثقل النوعي لموازين القوى وتوزعه في التاريخ العربي الإسلامي .

       فالآليات الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية الثاوية في عمق البنية التاريخية للشخصية العربية ، قد طغت بالفعل على سطح الثقافة الواعية ولكن لا لتمارس وظيفتها من واقع الامتداد الطبيعي للحركة الإنسانية في الحياة كشخوص تعيش في إطار الزمان والمكان ، والتحدد بظروفه وضروراته إنما لتمارس وظيفتها كشريعة مقدسة منـزلة من فوق سبع سموات..!!

       فسريان آليات القهر والتسلط وتمدد علاقات الاستبداد السياسي والاجتماعي ، بكافة أبعادها العشائرية الأبوية المطلقة ، أو بمفهومها السلطوي الفردي ( التوتاتلاري ) ، تبدو طافحة من خلال النصوص المصاغة على أساس أنها الشريعة المحكمة التي لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين يديها .

       كما أن آثار علاقات القوى التي كانت مسيطرة على الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي…الخ قد أطلت برأسها بشكل سافر لكل قارئ متمعن في التاريخ مبرزة أدق ما لديها من أدوات وتكتيكات قد استخدمت في الصراع ، وهذه أيضاً كانت قد طغت على واجهة الشريعة المدّعاة كنصوص مقدسة .

       فالتغييب والإقصاء والإرهاب والتشويش والاختزال الكياني والتضخيم الأسطوري والتعميه السحري والتنويم العقائدي والفكري والعقلي وشتى التشوهات المسلكية والأخلاقية التي تتخلل الصراع الاجتماعي والسياسي العلائقي في واقع التاريخ العربي ، كل ذلك حاضر بقضّه وقضيضه في هذه الشريعة المنحولة !!

       إذن ، فكل ما هو أمامنا يظهر لنا بجلاء أن البنية العربية المستترة تحت جلد النصوص بشكل عضوي هي ذاتها السلطة الحقيقية التي تمارس سلطاتها على امتداد خارطة الشريعة المدعـاة .

يتبع 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :