كلما أقلعت بي الطائرة يصغر كل شيء في عيني ويكبر وطني في قلبي الغارق في بؤس شوارع التراب، وكلما أطلقت العنان للسؤال أجده في مهب الريح دون إجابة لماذا نغادر أوطانا جميلة تسكن براح القلب؟ وشغفنا يزداد بها كل يوم وفي قرارة نفسي أعرف أنه لا إجابة في الأفق تعيد لروحي المسافرة في البعيد طمأنينتها بلغوا أمي السلام وجميل الكلام في بلد فيه الموت يقطع رؤوس الأنام في كل وقت وكأنه يقطع رأس فجل أو رأس بصل، ومهما تكلمت لن تجد لكلماتك صدى فالمكان تجاوز بكثير الغابة وما يحمل غير صوت الرصاص في النهار والليل وإن مرضت لا تبلغوها أني مريض بل أنا في قمة الصحة تقودني الخُطا إلى حرف جميل يزين روحي المليئة بها، كل حلمي أن تتسع تلك الدروب الواسعة لما تبقى لي من خطوات ويهتف صوتها سوف تتسع أكثر مما تتخيل وستكون مزهرة وجميلة، أنا أستظل بظلكِ أنا النحيل السائر منذ القدم في العراء وكل مبتغاي جدار متهالك يقيني البرد وروح سخية تمنح المسافرين الدفء وأستند على أضلعي الضعيفة وأهيم بالروح التي أتعبتها معي في ترحال لا وجهة له وحين ترنو خطواتي إلى الطرقات هنا أتفرس في الوجوه أبحث عن حروفي وأنا أبتسم لهم وأسألهم أن يدلوني على قوس قزح تبصره عيناي تقطفه أناملي المرتعشة وتشتهيه أصابع واثقة تتلون بنبض الأحبة الباقون هناك في شوارع التراب القاسية في حكمها على الأقدام العارية وتظل أجمل الخطوات تلك التي تقودني إليهم ذات وقت هو الأجمل في عرفي تكبر اللحظات كلما تشرق الشمس وهم يسألونني من أي بلد أنت؟ وليتهم يسألونني من أي نبض أنت ؟ حينها أخرج قصاصة من كفي تحمل رائحة التراب هناك ويتطاول الحنين إلى الروح الساكنة في جسد نحيل وهي تشتهي أن ترفرف فراشة دون أن تطالها يد العابثين والزارعين للموت في دروب المساكين ويسكنك الوجع حين تجد الاشتهاء في مهب الريح وأنت تشتهي كتابة حرف لا يبلله مطر ولا تقوده ريح . فسانيا الجميلة دمتِ وهج قلبي وقاربي البهي الذي كلما ابتعدت عن وطني الجميل المقيم في أعماقي من قبل الميلاد يعيدني إليه طفلا صغيراً.