- د. سيرين زريق دكتوراه التطور جامعة تشرين د. محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث
كان لنظرية داروين حول التطور أصداء واسعة في الأوساط العلمية والاجتماعية والدينية لفترة طويلة. ففي عام 1859 نشر عالم الأحياء الشهير تشارلز داروين نظريته حول التطور في كتابه أصل الأنواع في المقابل كان الشغل الشاغل لبعض العلماء ايجاد الحلقة المفقودة التي تثبت أن أصل الإنسان قرد وهو الأمر الذي وقف منه داروين موقفا غير حاسم في كتابه نشأة الانسان وعلاقته بالانتقاء الجنسي والذي اصدره عام 1871 مما ولد الجدل المثار ولا يزال حتى يومنا هذا . ليطل علينا البريطاني تشارلز داوسن عام 1912 بالدليل على صحة نظرية التطور عبر زعمه العثور على بقايا جمجمة شبيهة بالإنسان المعاصر ماعدا مؤخر الرأس وحجم الدماغ الذي كان ثلثي حجم الدماغ الحالي أما عظام الفك فكانت شبيهة بعظام فك الشمبانزي واطلق على هذا الإنسان اسم إنسان بلتداون نسبة إلى المدينة التي تم العثور على بقايا الجمجمة بأحد مناجمها . كان العالم الأوروبي على استعداد لقبول هذه النظرية وتصديقها فبها يصبح أول انسان على وجه البسيطة منشأه اوروبي بل ومن الامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس. في عام 1953 نشر ثلاثة علماء بمجلة التايم هم كينيث بيج أواكلي وجوزيف وينر وويلدفريد لي غروس كلارك دراسة تحسم الجدل بشأن اكبر عملية تزوير وتدليس علمي في التاريخ مثلها انسان بلتداون حيث كانت الجمجمة لانسان من العصور الوسطى والفك السفلى لقرد اورانتغان وسن لشمبانزي وقد أظهر الفحص الميكروسكوبي للسن آثار تلاعب بالسن باستخدام مبرد كما كشف البحث عن آثار لاملاح الحديد وحمض الكروم لاكساب العظام مظهر قديم. هل حسمت مسألة سقوط انسان بلتداون نظرية التطور؟ بالطبع لا فقد عاد الجدل مجددا مع اكتشاف الهيكل العظمي لأنثى أطلق عليها لوسي عام 1974 في احد الأودية الضيقة بإقليم عفر في أثيوبيا وقد سميت لوسي نسبة لأغنية كان يرددها عمال الحفر في مكان الاكتشاف تقول (لوسي في السماء مع الماسات) وقد بينت الدراسات على لوسي تشابها في بنيتها التشريحية مع الشمبانزي نظرا للطول النسبي لعظام الأصابع وانحناء عظام الرسغ وقدرتها على التسلق واظهرت في الوقت نفسه تطابقا في عظام الحوض والأطراف السفلية مع البشر. وهو ما يعني أن لوسي هي المرحلة الوسيطة بين الإنسان والقردة التي كان يبحث عنها الجميع وفي عام 2000 تم اكتشاف هيكل الطفلة سلام في أثيوبيا . ولكن في عام 2009 انقلبت المسألة رأسا على عقب وعاد المعسكر المناهض لنظرية التطور إلى الواجهة بعد نشر مجلة العلوم الأمريكية ساينس لمجموعة من المقالات عن اكتشاف العلماء الأمريكيين من جامعتي كين ستيت وكاليفورنيا لهيكل عظمى اثيوبي لانثي يبلغ عمرها أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة أطلقوا عليها اسم أردي وذلك عام 1992 في موقع يسمى أراميس بصحراء أفار الأثيوبية وهي أقدم من لوسي بمليون سنة وأنها لا تربطها بسلالة القردة أي علاقة حيث تخلو مثلا من الانياب الحادة التي يستخدمها الشمبانزي في عراكه علاوة على تميزها بمشيتها المستقيمة المشابهة لمشية الإنسان الحالي وليست منحنية على مفاصل الأصابع كالشمبانزي والغوريلا ولا تزال أسنان اردي متصلة بعظم الفك مع تآكل المينا مما يشير إلى اتباعها نظاما غذائيا من الفاكهة والمكسرات . وقد استغرقت دراسة أهمية أردي سبعة عشر عاما وتعني كلمة أردي : الطابق الأرضي أي جذر شجرة عائلة البشر. وفي عام 2017 اكتشف الباحثون في جبل إيغود بالمغرب أقدم حفريات للانسان العاقل وقد سجلت النتائج في ورقتين بحثيتين بمجلة نيتشر ومصطلح الإنسان العاقل يعود إلى العالم كارولوس لينيوس عام 1758 وهو ترجمة الاسم اللاتيني (Homo Sapiens) الجزء الأول منه homō بمعنى الإنسان، بينما الشق الثاني sapiēns بمعنى الحكيم، أو العاقل. مما يعني أن الإنسان العاقل عاش في القارة الأفريقية قبل ثلاثمائة ألف عام. وتبقى نظرية التطور صفحة مثيرة لا تطوى مهما طال الزمن.