الآن!

الآن!

سعاد سالم / soadsalem.aut@gmail.com

تَنّوَه 

مايشبه ترسب التجارب والمعرفة  

كتاب لم اقرأه بعد ،عنوانه قوة الآن، لكن عرفت فلسفته من أكثر من قراءات لمعنى العيش في الحاضر، وما في ذلك  من قوة ،بمعنى آخر الاستثمار فيما لدينا في هذه اللحظة لأننا نملكها، وعليه هناك قول انجليزي رائج يقول بما معناه : الأمس انتهى، والغد غامض أو لاتعرف عنه شيئا، وهذا يلخص مفهوم أن مانملكه وموجودون فيه فعليا، هو هذه اللحظة! وبقدر قوة هذه الفلسفة التي تحيلنا إلى الانتباه والتركيز فقط وفقط على ماهو بين أيدينا، أما ماهو خارج سلطتنا ،أي خارج عن قدرتنا على التحكم به، لايجب أن يصرفنا عما نملكه، وذلك بالاستثمار فيه، تغييره ،أو حتى خلق شيء قد يكون هو نقطة تحول للغد الذي ما يزال مجهولا.

لكن! وحسب مفهومي الخاص لقوة الآن، ليس فقط في إننا نملك اللحظة التي نحن فيها فقط إنما أيضا الآن، تشير وبشكل محدد إلى مواجهة ماحدث في اللحطة الماضية، لتحسين الحالة الراهنة، وبتعبير آخر عدم إضاعة الوقت فيما يعبر عنه المثل الشائع: البكاء على اللبن المسكوب، فما انسكب لا يمكن إلا تسييقه وتنظيف المكان وهو بالضبط ما يعني الدخول في معالجة الحالة الراهنة، لهذا أي استثمار في اللحظة الآنية، يستبعد تماما تضييع الفيمتو من الثانية في التفكير في احتمالات لماذا، ومن المسئول ، بل الاستثمار الحقيقي والمفيد يتركز كله في اللحظة التي تلي انسكاب الحليب، ولنفكر جميعا ،ماهو أول رد فعل غير الشهقة! تماما، الركض لمعالجة هذه الفوضى. إذن لماذا لانعالج فوضانا بهذا الميكانيزم  أو السلوك العفوي والطبيعي؟ ماذا يمنعنا من ذلك؟

الآن لدينا لصوص

حسنا! هذه هى الحالة في ليبيا أو التشخيص الحالي في ليبيا ، بسبب كل مايتناطر هنا وهناك من معلومات ووثائق ،تشير إلى استشراء الفساد في الإدارة الليبية، هذا هو التشخيص الآن، أي أن اللبن الآن مغرق حوايجنا وكنادرنا والزليز أو لبساط، وماذا نفعل كإعلاميين، ومواطنين، إننا نغرق في الصراخ واتهام بعضنا واتهام العالم وتحميله مسئولية انسكاب الحليب، فيما مازلنا نعوموا ونغطسوا في حالة مزعجة من الفوضى التي خلقتها حالة ماضية جعلت الحليب ينسكب، ومازال في الآن واحدا منّا لم يفكر في التحرك لانقاذ نفسه على الأقل بتنظيف الفوضى، الآن، بل ننتظر أن يدخل شخص ما أو ظرف ما ليفض اشتباكتنا و اتهامتنا لبعض بأن يأتي بالمناشف التي ستجفف الحليب, ولكن هذا يزيد من حنقنا لأنه أتى بمناشف من بيته هو، ليجفف الحليب المسكوب ويمسح بها أحذيتنا وملابسنا وزليزنا وبساطنا وحيوطنا، ووين ما وصل الحليب، ولكن فجأة نلتفت لهذا الغريب الذي دخل علينا ليجفف حليبنا المسكوب، وماذا يحدث، سنجد سببا آخر لعراك آخر بيننا لأن كلنا نتهم بعضنا بأننا سمحنا لغريب أن يخشش أفطّه في بيتنا ويمسح حليبنا المسكوب.

نعم مشهد بغيض، يشابه إلى حد بعيد فوضى اللحظة الراهنة فيما يتكاثر و باضطراد اتهامات الفساد ، وفلان خانب،وعلّان فاسد الذمة والضمير، ولكن ماذا نفعل الآن واللي صار صار ؟ هذا هو سؤال الآن، وقوة الآن من وجهة نظري!

وحدّ الهتاف#

لدينا مال منهوب ولا يعني هذا أن الأمر سيئ إلى هذا الحد، فثمة أشخاص يحاولون وسط هذه البكائية العظيمة أن يصنعوا شيئا مفيدا ،حتى لو كان من المال المنهوب، إي نعم، فالغرق في مفردات الحلال والحرام ، هو في الواقع تعظيم لفضيلة متخيلة وغير موجودة على أرض الواقع وسأخبر الجميع لماذا! أولا : لأن التركيز على مفردات، مثل ثنائيات متضادة كحلال وحرام ، إنما تتجاهل عمدا شيئين، الأول : تحيل أمر من يقوم بالحرام حسب رؤية الحرام الدينية إلى مسألة أخروية وسيكون لها عقاب أخروي وبحسب ما شاع من تشبع بمفردات متواكله في العقل اللاواعي ،إنما لا يشجع في حقيقة الأمر على خلق نظام اجتماعي يردع مرتكب الحرام واقصد هنا المال الحرام من لصوصية وفساد ، بالنبذ والمقاطعة والتعزير، بمايفعّل الأدوات القانونية التي تقوم بعملها بسبب أن الواقع سيفرض بأن يوضع مرتكب (الحرام) بعد توصيف فعلته بالجريمة، وتحريرها من الغد (المجهول)، في مكان ليس فقط يحجز حريته إنما أيضا يؤمنّه من النقمة الاجتماعية التي تجعل من حياة هذا اللص جحيما ، سيفضل عليه عقابا في الآن ليمكنه بعدما يقضي عقوبته من الاستمرار في حياته بأقل ضرر ممكن ،بعدما توسخت سمعته. أي أن المجتمع الواعي أخلاقيا ، إنما يفرض قوانينه ويصيغها، وليس العكس، وأعني بالمجتمع الواعي هنا إنما النخبة التي يُسمح لها بأن تنفذ الأخلاقيات وبأن تؤطرها، بدعم كامل وتام وغير مشروط منه. الثاني، أن الحلال ليس له وجود كما هو متخيل، لآن دورة المال ليس فقط تحدث في المجتمع الليبي، إنها مثل الدورة الدموية تماما ، في جسد واحد هو اقتصاد العالم، وهذه الدورة الدموية لايمكننا كمجتمع يتبنى الفكرة السطحية لمفهوم الحلال التي رسخت وترسخ في الذهن الجمعي لو صح التعبير ، هي تماما كفكرة تخيل أن الدم الذي يعيش به القلب  و لنسميه ليبيا(لاعتبارات الشوفينية المستشرية) لديه دم منفصل (حلال) لا يرتبط بباقى دم الدورة الدموية التي تجري في باقي جسد العالم(لعقاب) وهى التي تستمد اكسجينها من عملات غير محلية، يعني العملة الأجنبية ، الدولار تحديدا واللي قالب الاقتصاد الليبي بسوق موازية لا أحد يسميها حرام ، إنما مصادره حسب وجهة النظر الليبية أو أغلبها حرام. وكل السلع والتي هى أيضا اكسجين هذه الدورة الدموية، وحسب وجهة النظر السطحية للحلال إنما هي حرام ، فالسلع التي تجلب العملة الأجنبية والتي تسري في جسد العالم إنما مرتبطة أيضا بسوق البغاء، وسوق المخدرات،وسوق الأسلحة،ناهيك عن المال الذي يأتي من تشغيل العمالة الرخيصة،والاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر واعضائهم، والصراع المعرفي والسياسي، كله مال يدخل في دورة المال الليبية، والتي يستخدمها من يفرض شروطه في توصيفات مضللة ويعيش كما تلاحظون في حياة رغدة، فيما يضيّق على حياة الآخرين المعيشية.

ثانيا: الذين واتتهم فرص النهب في الحقيقة قد يكونون مفيدين، خارج السجون التي لم يدخلها أحد منهم حتى الأن ،أكثر فيما لو عاقبناهم باشتراط توظيف ثلاثة أرباع ثرواتهم في داخل البلاد لتدور عجلة القطاع الخاص ، ليس بطريقة غسيل الأموال والتي تجري على قدم وساق وأمام الجميع ،بسبب أن اللصوص يريدون التخلص من التعقب، ولأن أعداد الناس أو من تحولوا إلى لصوص لأسباب عديدة -يجب مناقشتها لوضع استراتيجيات تحمي الأجيال القادمة من أن يكونوا لصوصا،وفاسدين- قلت ، أن أعدادهم تكبر وما تنضوي تحتهم من مجتمعات صغيرة مستفيدة ،تقاوم بالتالي تعزيرهم ونبذهم اجتماعيا، باعتبارها تدافع عن حياتها الأسرية والمهنية، هذا يجعل السيطرة على نمو الفساد مستحيلا، فيما يستنزف باقي المجتمع وقته وجهده في طلب المستحيل لأنه مُتَخَيل، وفي البكاء لأنه واقع العاجز، وفي خوض معركة اتهامات لا تتوقف ، فيفوح المجتمع بالكراهية والحسد في آن، لأنه وعند مرحلة ما لن يعود الفساد واللصوصية نشاط عام ، بل هو نشاط يخص نخبة تنشأ الآن واللبن مسكوب.

خطة الآن

لدى النائب العام أسماء اللصوص والفاسدين، لدى دوره هو ونخب القانون أن يضعوا شروط العفو وتطبيق مبدأ العقاب الاجتماعي بتحديد صور التعويض للمجتمع قيمة ومظهرا.

وزارة التربية والتعليم ملزمة باستحداث مادة الأخلاق دون ربطها بمسائل غيبية بل بتوصيفها الدقيق لكل ماتشمله مفردة الأخلاق. ولن نخلق العجلة يمكن الاستعانة بقيم ومفردات توحد الأجيال القادمة كذهنية بالعالم الذي شكل واقعه بخلق مفردات ليست حمّالة أوجه.وبالتالي لن يكون عسيرا في المستقبل تبني قوانين تدعم هذه الصياغات الجديدة للغة،

_____ والباب مفتوح للمقترحات التي تملأ الفراغات وتسد الثغرات ،لأنه ولابد من سؤال ماذا الآن؟ لنستأنف الحياة كمجتمع والأهم كأفراد تحكمنا الأخلاق.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :