كتب :: محمد أحمد الانصاري
ليس صعباً إطلاق الأحكام دون التثبت، وليست تلك مهمة السياسي النافذ ، الذي ساد من أجل الوفاق ،إنما مهمته ومهمتنا جميعاً سد ذرائع ومبررات الاضطراب قبل وبعد وقوعه، حتى يقوى أي وفاق ويتسع ، وهنا تكمن الصعوبة ، ومن خلالها تميز المحنة الحكيم اللبيب من المتهور الغافل ، ودون التغول في الردود المسؤولة واجترار طبيعة الحراك ومسبباته وردود فعله وأخلاقيات وسائله ،” فقد ينتهي هذا الحراك ويزول، ولكن يجب أن نعي إذا ما توفرت مبرراته لابد أن يولد آخر أشد جراءة ، وأكثر اندفاعا من الأخير في أي مكان وهكذا ، فتطور رغبات المواطنين وجمود السلطة وقصورها يفضي بها إلى نهاية وجود كيانها بضمير الفرد قبل أي مكان آخر ” فالأحرى بنا سد الذرائع قبل الحكم الأخلاقي المسبق على الوسائل ،بالرغم من عدم إيماننا بها . لامجال للشك إطلاقاً بأن الجنوب قد تورط في مشاكله وعجز عن حلها، والتي عطلت مسيرة حراكه الطبيعي نحو تنمية ذاته ، في ظل التدافع السياسي القائم ، ولكن هذا لا يعني أن الخلل كله يكمن في الجنوب لوحده بمعزل عن الآخر ونحن في إطار دولة واحدة، فلا صعوبة في أن نتعامل مع مشاكلنا الاجتماعية السياسية كمعادلة صفرية “إما – أو ” ،ولكن بذلك لن ننتج إلا تحليلاً وحلا أحاديا قاصرا يصبح تطبيقه مشكلة تزيد من تماسك معضلاتنا، فلو رجعنا إلى الوراء قليلاً سنكتشف أن المال السياسي والاستقطاب أيضاً هو من يدعم هذه الحالة في الجنوب، وبأيادٍ محلية وأخرى أجنبية، ليس إيماناً بنظرية المؤامرة بقدر ما هو تجميع للّاعبين جميعاً وفى ذات الوقت لا يعفى أبناء الجنوب من المسؤولية أيضا . إن المتابع لحالة الجنوب منذ ما يزيد عن سنتين ، وردود فعل الحكومات المتعاقبة يدرك تماماً أن الجنوب يشهد مخاضا جديدا ناتجا عن القهر، فكثرة الحركات الشبابية التي تحاول هنا وهناك بالرغم من قصورها، لم تكن ناجمة عن توق الظهور وإرضاء ذات الشبابية المغمورة حينها فقط ، بل هو أيضاً تطلع لتحقيق حلم ” فكاك وحلها ” الذي يبقى ذكره حاضراً ، المخلص من حالة القهر التي يعيشها الجنوب و يشير بكل وضوح إلى وجود رغبة جامحة للخروج “فالخلل لا يمكن أن يقع على الحالم وحده دون صانع الحلم ” فكلنا غالباً ما تفاجئنا الأخبار عن وجود حكومة جديدة ثالثة بالجنوب، وحتى أن بعضها وهمية مثل “البرديلي” وغيرها ، كما لا ينقضي شهر دون نبأ ميلاد حراك جديد ينضم لمجموع الحركات التي تختلف أسماؤها ومدى جديتها توحدها المطالب ،بعضها لغرض التهديد وجذب الأنظار، وبعضها لمجرد منافسات محلية جنوبية خالصة ، لم تفلت من الاستقطاب السياسي وأخرى جادة ولكن تواجهها الصعوبات المحلية الشديدة للظهور ،فالمشاكل الكبرى عادة ليست مشكلتها فقط في إيجاد حل لها ، أو توفير إمكانية الحل ، إنما من هو المراد له حلها ، وكيف يكون ؟ من هو الذي يمنح ذلك الشرف ؟ لأنه سيعود على صاحبها بلقب الفكاك وحلها و الذي لطالما كان هو لبّ رغبات بعضنا السطحية ، فدور المخلص لا يمنح بسهولة وإن كان يحمل معه عصا موسى ، خاصة لمجتمعات تشهد تنافسا بعيداً عن أطره السليمـة .لكن تلك المؤشرات لم تكن ضمن حسابات العديد من الساسة بشكل جدي ذلك لأن المنطقة الجنوبية لم تكن في الواجهة كطرفٍ متطرفٍ في معادلة النزاع السياسي بشكل مباشر بالرغم من الأثر السيئ الذي خلفه النزاع من فراغ سياسي وعبث ،وتدهور . علينا أن نواجه مشاكلنا بتجرد ، فالذي أغلق النفط اليوم ليس تطلع الحراك فحسب ، بل توحد غبن وتمازج تناقضات ومصالح لأول مرة ، فمحاولة عقلنته وإبعاد تصرفاته هي في حد ذاتها ليست عقلانية إذ أن الأمر بالنسبة للمطالب لا يتعلق بنجاح أو فشل تصرفاته أو حتى إبعادها ،بقدر ما هو متعلق بالتصرف ذاته وطرقه وذرائعه، فالفارّ من مملكة الأسرة نادراً ما يفكر في مآل تصرفه، إنما جلّ تفكيره ينصب في كيفية الخلاص ، مما يراه اضطهاداً وانسداد أفق ، وقيد حرية، أو حتى مصالحه تلك التصرفات ليست مبنية على دراسة منطقية إنما هي ردّات فعل تتناسب مع الظروف المحيطة بالحالة ، تبدأ بالتهديد غير المباشر بُغية جذب الأنظار والقرب من دائرة الاهتمام وسرعان ما تنتقل إلى تهديد مباشر بعد تفاعل عنصر القهر الذي يعد دافعاً مهماً للاستمرار والشعور بعدم الاكتراث ، ومن ثم تنتهي في ظل التجاهل أو التعنت إلى مجهول متعدد، تتحكم فيه عدة عوامل وأهمها العوامل الخارجية المحيطة بالحالة ، فالأحرى بنا سدّ ذرائع تكرار الحالة لا هذا التراشق . فالدعوة هنا ليست حتى للاستجابة لمطالب الحركات ، بقدر ماهي دعوة لإصلاح أدوات العمل التنفيذية وإعادة النظر فيها ذلك لأن الجزء الأكبر من المشكلة تتقاسمها في هذا الإطار تلك الأدوات القاصرة ومطامع الأنا ، ليس من أجل الجزء – المنطقة الجنوبية فقط وإن كان الجنوب قد دق أجراس الخطر أخيراً بعيداً عن الحكم الأخلاقي على الوسيلة ، بل من أجل الكل وإذا ما كان ذلك واقعاً فلابد للحراك أن يجلى ولابد للقهر أن يندثر فالمخاطر المحيطة تحتم علينا عمل ذلك ولا مبرر حينها لأي حراك ولا لأي صمود .