الأخطاء الطبية في ليبيا: قصص ضحايا وغياب المحاسبة

الأخطاء الطبية في ليبيا: قصص ضحايا وغياب المحاسبة

تحقيق : حليمة حسن عيسى

  الأخطاء الطبية ليست مجرد زلات عابرة، بل قد تتحول إلى كوابيس تهدد حياة المرضى، وخاصة عندما تتكرر دون محاسبة. من حرق المواليد بالماء الساخن، إلى جرعات زائدة من البنج، تتنوع الحوادث المؤلمة التي تشهدها المستشفيات الليبية. هذا التقرير يسرد قصص ضحايا الإهمال الطبي ويطرح تساؤلات حول غياب الإجراءات القانونية الرادعة.

*حرق مولودة بالماء الساخن.

قالت المواطنة ‘ مريم عمر’ إنها أنجبت في إحدى مستشفيات مدينة مصراتة الحكومية وقامت إحدى الممرضات الفلبينيات بحرق المولودة بالماء الساخن عند غسلها والطفلة أصيبت بحروق من الدرجة الثانية ، وتابعت في قولها إن الممرضات الفلبينيات يد عاملة رخيصة ولكن أيضا أرواح صغارنا غالية.

أفادت المواطنة فاطمة حمد من مدينة سبها ، أن أثناء عملية الولادة وبعد إخراج الطفل حدثت لها مضاعفات أثناء العملية واستفرغت وبعد الاستفراغ خرجت الأمعاء الدقيقة وتم استرجاعها وتم تشخيص حالتها على أساس أنها غازات، وبقيت 5 أيام في قسم النساء وبطني منتفخة واستفرغ مادة خضراء اللون وتم استدعاء دكاترة الجراحة وبعد إجراء صورة تم ملاحظة أن الأمعاء ملتوية وملتصقة ببعضها البعض فقرر طاقم الجراحة إجراء عملية استكشاف وتم استخراج الأمعاء وتنظيفها واسترجاعها وبقيت مدة شهر في المستشفى وحدثت بعدها مضاعفات للعملية متمثلة في إسهال واستفراغ وانخفاض في مستوى البوتاسيوم.

ازدياد حالات وفيات النساء الحوامل.

وأوضحت مواطنة من مدينة صبراتة أن حالات وفيات النساء الحوامل واللاتي ينتظرن مولودهن الجديد تزداد بكثرة في مدينتنا وآخرهن ‘ زينب البشير الخطابي ‘.

وأردفت : ففي جنح الظلام كانت الأسرة تنتظر مولودها الأول وعند  دخولها إلى هذه المصحة التي تزف النساء إلى المقابر لتضيفها إلى سجل السيدات اللاتي قضين نحبهن إثر خطأ طبي، ومن ثم قام الأطباء بإرسالها إلى المستشفى قائلين ( معاش عندنا لها جهد) ومنها فارقت الحياة ، وأضافت أن لا نقول إلا ما يرضي الله وأن أجلها كتب لها من قبل ولادتها ولكن يجب محاسبة المسؤولين على هذه المصحة لكي لا تتكرر الأخطاء.

نشرت في وقت سابق صفحات التواصل الاجتماعي ‘ فيسبوك ‘ وفاة مواطنة ليبية بسبب إهمال دكتورة في إحدى مستشفيات العاصمة طرابلس ، عند دخول المواطنة لإجراء عملية ولادة قيصرية مستعجلة في المستشفى ، وبعد العملية تعرضت المريضة لمضاعفات خطيرة منها انتفاخ في البطن والتهاب حاد في الدم ، مؤكدا أنه بعد سبعة أيام في العناية الفائقة تم اكتشاف جسم غريب في الرحم ، وتبين أنه تم نسيان منشفة في الرحم خلال العملية التي أجرتها الدكتورة ، مضيفا أن المنشفة أزيلت دون تخدير أو تعقيم في قسم العناية من قبل أطباء جراحين تستروا على الدكتورة التي قامت بالعملية القيصرية ونسيت المنشفة مما أدى إلى تفاقم الحالة وتسبب في وفاتها.

يشار إلى أن التقارير الطبية من المستشفى أثبتت الخطأ والإدارة لم تفتح تحقيقا فوريا مع الدكتورة والأطباء الجراحين الذين ارتكبوا هذا الخطأ الطبي.

أخطاء الوصفات الطبية.

المواطنة “خ ف” من مدينة سبها تشتكي من خطأ طبي كاد أن يجعلها طريحة الفراش إلى الأبد ، حيث تم تشخيصها من قبل طبيب عظام بتشخيص خاطئ وصف لها علاجًا يحتوي على كميات كبيرة من الكورتيزون لفترة طويلة ، نتج عن ذلك أن تسبب العلاج في هشاشة عظم الحوض لديها، مما جعلها مقعدة على الكرسي لمدة عام ونصف.

وتؤكد “خ ف” أنها لا تزال تعاني من هذه المشكلة ولم تتعافَ بشكل كاف حتى الآن.

وتابعت ، أن الأمر سبب لها أضرارا نفسية ناهيك عن الأضرار الصحية الأخرى .

جرعة بنج زائدة سببت أضرارا جسمية للمرضى.

وقال المواطن ‘ أ ع ‘من مدينة بنغازي إن الطفلة ميار كانت تعاني من مشكلة في القلب ودخلت العمليات لإجراء عملية مستعجلة وهي تحت العمليات حدث لها تشنج بسبب خطأ طبي بسبب ‘ البنج ‘ لأنه تم إعطاؤها خلال العملية جرعة بنج أخرى تسببت لها في فقدان البصر بالكامل بالإضافة إلى فقد النطق والكلام وحدث لها شلل كامل في جسمها وهذا كله بسبب إهمال طبي أو خطأ طبي.

قالت أخت المرحومة ‘ سميرة سليمان ‘ من مدينة سبها إن أختها توفيت في حالة وضع وأن أختها لديها خمس بنات وتم ولادتهن ولادة طبيعية وعند حملها السادس ذهبت إلى المستشفى للولادة وعند وصولها تم الكشف عليها وفحصها فقال لها الطاقم الطبي بقسم النساء بالمستشفى إن موعد الإنجاب لم يحن بعد، وأن الرحم مازال لم ينفتح ارجعي بعد ساعتين وبعد أن رجعت للولادة والرحم انفتح ،فتعسرت عملية الولادة الطبيعية فكان بالإمكان بعد تعسر الولادة إنقاذها بالعملية وطلبت منهن الإنجاب بالعملية فقالت لها القابلة انتي أنجبتِي 5 مرات طبيعي فبإمكانك أن تضعي حتى هذه المرة طبيعيا ، وأكدت أنه تم ضرب أختها 3 إبر طلق صناعي مما أدى إلى إصابتها بجلطة في الرئة وفارقت الحياة وهي في كشك الولادة.

‘وإن ماتت ما ماتت غير هي

 وأضافت أن زوجة أخي دخلت عليها وهي في الكشك وجدت المرحومة مرمية على الأرض ولونها مزرق مائل إلى السواد بسب إبر الطلق الصناعي وصرخت زوجة أخي وهي تقول للممرضات ” سميرة ماتت ” فيقلن لها إنها مغمي عليها فقط وقالت إن إحدى الممرضات قالت لها ‘وإن ماتت ما ماتت غير هي ‘ وبعدها تم نقلها إلى غرفة العمليات وهي مفارقة للحياة وأنجبت الطفل بالعملية وبقي الطفل على قيد الحياة لمدة ساعة من ولادته بالعملية ثم فارق الحياة بسبب نقص كمية الأكسجين خلال الفترة التي بقيها في رحم أمه وهي مفارقة للحياة .

 وأشارت أخت الفقيدة أن المستشفى ادعى أن سبب الوفاة أنها مريضة قلب ومن الصعب أن تنجب بالعملية.

وذكرت مواطنة أن إحدى قريباتها أجرت عملية شفط دهون في مستشفى غير مرخص بإجراء مثل هذا النوع من التدخل الجراحي، وتابعت أنه لا توجد أبسط أساسيات مؤسسة علاجية طبية ولا يتواجد بها مصعد كهربائي وأن العمليات تقام في الدور الثاني ولا يحمل الجراح مؤهلا علميا يؤهله لإجراء هذا النوع من العمليات وحدثت مضاعفات للمريضة وتم الاتصال بزوجها ليأتي لإسعاف زوجته إلى المستشفى ولكن المريضة قضت نحبها وتوفيت بسب خطأ طبي.

إدارة المستشفى لم تتخذ أي إجراء تجاه الحوادث الطبية التي تحدث.

تؤكد أخت المتوفاة ( فاطمة صالح ) أحدى ضحايا الأخطاء الطبية أن سبب الوفاة كان بسبب خطأ طبي ارتكبته طبيبة التخدير ، حيث أعطت الطبيبة جرعة في العصب عن طريق الخطأ ، مما أدى إلى تشنج في الحال وأدى إلى الوفاة.

كما أضافت : أن إدارة المستشفى لم تتخذ أي إجراءات بعد التواصل مع رئيسة القسم ولم يتم تحويل أي شخص مسؤول للتحقيق في الحادثة.

عائلة المتوفية أكدت أنها طالبت بالكشف عن ملابسات الحادث والمساءلة القانونية للمتسببين في الوفاة عدة مرات دون جدوى.

وتناولت في وقت سابق صفحات التواصل الاجتماعي وبعض القنوات التلفزيونية ما حدث مع السيدة ‘ ابتسام محمد ‘ ذات 39 ربيعا من مدينة صرمان ربما أثارت قصتها جدلا اجتماعيا واسعا من مستشفى صرمان وتعرضت ابتسام عند دخولها للعمليات إلى خطأ طبي وبسبب هذا الخطأ خرج البراز مع البول من فتحة شرج واحدة وهذا ما حدث مع ابتسام وجعلها تنتقل بين المصحات والمستشفيات لتلقي العلاج .

الإنسان تحول إلى حقل تجارب بسبب إهمال بعض الأطباء

وأوضحت هاجر حسن أن الكثير من الأطباء يحصل على الخبرة من خلال التجريب على الناس الذين تحولوا إلى حقل تجارب ، وأضافت أن نعلم من وسائل الإعلام حالات الإهمال الطبي التي يتعرض لها الفنانون ، واستغربت أنه لماذا لا تصل الحالات المماثلة الأخرى التي يروح ضحيتها أشخاص عاديون ولا يعلم بها أحد سوى أهاليهم ، وأشارت إلى أن الأخطاء الطبية قد تكون قاتلة في كثير من الأحيان ولذا فإن الوعي بها وتفاديها يعد من الأولويات في المجال الطبي.

رأي قانوني.

وضع قانون صارم على تخصص النساء والولادة في المستشفيات والعيادات.

قال أحد المهتمين بهذه القضايا إنه يجب وضع قانون صارم على تخصص النساء والولادة في المستشفيات الحكومية والعيادات الخاصة وأن أغلبهم لا تشخيص صحيح ولا علاج جيد وليس لهم مؤهلات علمية تسمح لهم قانونا بإجراء عملية جراحية إلا بوجود استشاري أو أخصائي جراحة أو نساء وولادة ، ونوه أنه يجب على الجهات القانونية والقضائية تفعيل العمل بالقانون المحدد لأطباء النساء والولادة.

وأفاد القانوني أحمد خميس ، توجد ثلاثة قواعد في الأخطاء الطبية ، أبرزها إذا ثبت الإهمال الطبي ، وترتب عليه ضرر : كقطع عضو، أو تعطل منفعته (شلل)، فإن المتسبب في ذلك يضمن شرعاً وفقاً لما تقتضيه القوانين واللوائح المعمول بها ، كما أكد أنه يثبت للمتضرر الحق في التعويض ، إذا ترتب على الإهمال إجراء مزيد من العمليات. وأضاف إذا فعل الطبيب ما أُمر بفعله، وكان حاذقاً ماهراً، ولم يتجاوز ما ينبغي أن يفعله: لم يضمن ما يترتب على فعله من الموت، أو العاهة؛ لأنه فعل ما أذن له فيه شرعاً وقانوناً.

ومن جهتها قالت القانونية أسماء المختار إن مهنة الطب لا شك أنها من المهن الإنسانية والأخلاقية وتقوم على أساس عظيم وهو حفظ النفس وخدمة المرضى للتخفيف من معاناتهم وتحقيق الشفاء وهذا القصد لا يختلف عليه اثنان .

 وتابعت المختار أن الطبيب إنسان والإنسان يُخطئ فقد يحدث الخطأ الطبي من الطبيب أثناء مباشرته للمهنة الطبية فالخطأ الطبي محتمل حدوثه طالما هناك مريض وطبيب وعمل طبي ، ومع أن الطبيب لا يقصد فوات الهدف العلاجي كما لا يقصد القيام بالعمل الخاطئ لتحقيق هدفه العلاجي ومع ذلك لابد من تحميله المسؤولية في حالة حدوث الخطأ فلا يجوز لأخطاء الأطباء أن تدفنها القبور كما لا يجوز الإفلات من العقوبة والتستر على الخطأ الطبي لعدم دراية المريض بممارسة الطبيب وجهله بمرضه فمعظم المداخلات العلاجية لها مضاعفات يمكن التذرع بها.

لا يجوز لأخطاء الأطباء أن تدفنها القبور ولا الإفلات من العقوبة.

وأشارت إلى أن الخطأ الطبي حالة لا ينفرد بها مجتمع دون غيره، فالإحصائيات العالمية تؤكد حدوث أخطاء طبية فادحة في كثير من بلدان العالم المتقدم تؤدي إلى حصول أضرار جسدية بالمريض: تشوهات، عاهات، آلام وكذلك الوفاة.

وأضافت المختار أنه طبقا للمادة الثالثة والعشرين من القانون رقم 17 لسنه 86ف، فإن المسؤولية الطبية تترتب على كل خطأ مهني ناشئ عن ممارسة نشاط طبي سبب ضررا للغير ، ويعتبر خطأ مهنيا كل إخلال بالتزام تفرضه التشريعات النافذة أو الأصول العلمية المستقرة للمهنة كل ذلك مع مراعاة الظروف المحيطة و الإمكانيات المتاحة و يعد نشوء الضرر قرينه على ارتكاب الخطأ أو الإخلال بالالتزام.

فعند قيام الخطأ الطبي يجب إثبات أن الضرر الذي أصاب المريض ناجم عن خطأ الطبيب وذلك من خلال لجنة طبية مكونه من أطباء شرعيين واختصاصيين في الطب مهمتها التحقيق في الخطأ الطبي وإبداء الرأي وتحديد المسؤولية.

وتنفيذاً للمسؤولية الطبية فقد أصبح بالضرورة أن كل خطأ يسبب ضررا للغير يلزم مرتكبه بالتعويض يحصل عليه المتضرر إصلاحاً للضرر.

ونوهت مع مراعاة عدم الإفراط في المساءلة القانونية بغير دليل أو شبهة قوية لما لذلك من آثار سلبية على الطبيب والمجال الطبي ومن ثم المجتمع ولا يعني هذا ترك الأطباء وشأنهم ولكن يجب مراعاة الوسطية وعدم الإفراط والتفريط.

الخاتمة:

تتجلى في هذا التقرير معاناة الكثير من المواطنين الليبيين جراء الأخطاء الطبية، التي تحولت من حوادث فردية إلى ظاهرة تستدعي تدخلاً جادًا وحازمًا من الجهات المعنية.

و بين قصص الفقد والألم، يبرز السؤال الأهم: إلى متى سيبقى الإهمال الطبي عبئًا على المواطنين دون رقابة فعالة أو محاسبة جدية؟ إن مواجهة هذه الكارثة تتطلب تطبيق قوانين صارمة تضمن حماية المرضى، وتحمل المخطئين مسؤولية أفعالهم، لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث الأليمة في المستقبل.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :