الأمير السنوسي لـ«أصوات مغاربية»: هذه خطتنا لإخراج ليبيا من أزمتها

الأمير السنوسي لـ«أصوات مغاربية»: هذه خطتنا لإخراج ليبيا من أزمتها

شكري السنكي

مع تواصل حالة التجاذب السياسي والأمني في ليبيا، يتساءل العديد من المواطنين في هذا البلد عن مصير الأحداث في وطنهم، وهل سيتمكن من تجاوز هذه المرحلة الحساسة وبأي ثمن ؟. كما تبرز فرضيات للنقاش في البلاد، من بينها عودة النظام الملكـــي ؟.

******************

«أصوات مغاربية» حاورت الأمير محمد الحسن الرضا السّنُوسي حفيد الملك إدريس السّنُوسي، لمعرفة رأيه ومواقفه حيال مجموعة من القضايا التي تصنع الحدث في ليبيا.

نص الحوار:

• تقترحون عودة النظام الملكي الدستوري كمشروع لحلحلة الأزمة في ليبيا، لماذا ؟ وما هي الخطوط الكبرى لهذا المشروع ؟.

الملكية الدستورية في ليبيا هي كالأساس الذي تضعه لتبني بنيانا كبيرا يمتد عمره لسنوات وكذلك كانت الملكية الدستورية أساس تكوين الدولة وإنشائها.

وجاء هذا المشروع بعد حوار وطني رعته الأمم المتحدة راعي التكوين الاجتماعي والجغرافي لليبيا، وأدى بالنتيجة لتكوين المملكة الليبية وتحقيق استقلال البلد وتوحيده.

فعقود من الحكم الشمولي والدكتاتوري لم يؤد إلى استقرار الحكم، وأكثر من عقد من الزمان مرّ الآن ولا نرى جدوى من النظام البرلماني الفضفاض الذي أدى إلى اتساع رقعة النزاع السياسي والذي يزيد مع كل انتخابات يتم عقدها بعيداً عن الأساس الديمقراطي الذي وضع لحماية البلد من وطأة النزاعات الاجتماعية والقبلية، والذي ساهمت الملكية السنوسية في إبقائه متماشياً مع المصلحة السياسية والاجتماعية للشعب الليبي.

إن المزيد من الانتخابات، من غير الملكية الليبية الدستورية، لن تؤدي إلا لمزيد من الصراعات والنزاعات. نحن لا نطلب مُلكاً لعائلتنا، فالدستور الليبي حدد أدوار الملك وولي عهده وأبعدهما عن السيطرة السياسية التي تركها للبرلمان الليبي المنتخب من الشعب. دور الملك في ليبيا هو ضامن لمسار العملية السياسية ولعدم السماح بالانقسام بين المكونات الاجتماعية والسياسية في هذا البلد الكبير المترامي الأطراف.

• تعيش ليبيا أزمة متعددة الأوجه، أمنية وسياسية واقتصادية.. ماهي الملفات التي يجب أن تمنح الأولوية لوضع هذه البلد المغاربي في الطريق الصحيح .

هذه الأزمات مترابطة ومتشابكة بشكل يصعب معه التعاطي مع إحداها دون الأخرى. لقد حاول المجتمع الدولي التعامل مع هذه الملفات الشائكة بطريقة متوازية فأدى ذلك إلى بعض النجاحات المحدودة. وغالبا ما يؤدي تعثر ملف آخر مواز إلى عرقلتها وفشلها، كما حدث بعد لقاءات جنيف وقبلها بعد لقاءات الصخيرات مع تقديرنا الكامل للدور الذي تلعبه الأمم المتحدة والدول الشقيقة والصديقة في هذا المجال.

الأزمة تحتاج إطارا شرعياً وقانونيا دستوريا يحيط بهذه المشاكل ولديه نصوص وآليات جاهزة من داخله تحدد الأدوار والمسؤوليات والمهام بعيداً عن الشكل الحالي الذي يحدد فيه كل طرف قوانينه بشكل يتعارض مع قوانين ومحددات الأطراف الأخرى ويتعنت الجميع وليس هناك من مُحكم يقوم على تنظيم هذه العملية بشكل صحيح.

ليس هناك فرصة لحل الإشكاليات الأمنية في ليبيا في ظل عدم وجود سلطة منتخبة معترف بشرعيتها من جميع الأطراف ومن غير وجود دستور يحدد قوانين العملية السياسية ووجود ضامن لهذا الدستور له القدرة على حفظ التوازن الاجتماعي، ومن غير توفير هذا كله لا يمكن لأية خطة اقتصادية أن تنجح بشكل يحافظ على مقدرات البلاد ويمنع العبث بها واستنزافها بالشكل الذي يحدث الآن.

• هل تعتقدون أن الشعب الليبي يملك استعدادا لعودة النظام الملكي بعد طول هذه المدة ؟.

قبل الإجابة على هذا المسؤول يجب التأكيد على أن الشعب الليبي يستحق أن يتخلص من معاناة السنوات السوداء التي ألقت بظلالها الثقيلة على حاضره وتهدد مستقبله.

لبعض من أبناء وطني ينتقدون عودة نظام ملكي لحكم بلادنا، وأنا لا ألومهم فكثير منهم لم يعاصروا النظام الملكي الذي تم استهدافه بحملات تشويه ممنهجة على مدى عقود طوال.

أنا ألتمس لشعبنا العزيز العذر أيضاً لأن التجربة السياسية الديمقراطية في ليبيا تم تشويهها خلال السنوات الماضية بمجموعة من التجارب الفاشلة التي أنتجت نخبة سياسية تتصارع فيما بينها على السلطة والمال.

كلي ثقة أنه يمكن أن نعيد ثقة الشعب الليبي بالملكية الدستورية الليبية وقدرتها على إعادة الاستقرار إلى بلادنا والسير بها نحو التداول الديمقراطي على السلطة والحفاظ على مقدرات البلاد للنهوض بها نحو طريق المستقبل.

• قدمت الولايات المتحدة الأميركية خطة جديدة لإخراج ليبيا من الأزمة الحالية، ما تعليقكم على هذه الخطوة وكيف تقيمون مفعولها على أرض الواقع ؟.

هذا التطور في السياسة الخارجية الامريكية يبعث فينا تفاؤلاً بأن ليبيا لديها فرصة بأن تكون في طليعة اهتمامات الولايات المتحدة، وأن تكرس بالتالي جهودها في وضع مصلحة الشعب الليبي أولاً بعد سنوات من الصراعات العقيمة بين مجموعات بسيطة وضعت نصب أعينها ثروة الشعب الليبي، ونصبت نفسها كدكتاتوريات متعددة ترفض التخلي عن مصالحها

نريد أن نكون شركاء للولايات المتحدة في مسعاها لمحاولة الوصول إلى الصيغة المثلى لإنقاذ ليبيا من الفشل المحدق بها، وهذا من خلال نقاش وطني يعبر بشكل حقيقي عن الشعب الليبي ومكوناته ويفضي إلى عقد اجتماعي تحت مظلة ملكية دستورية من منظورنا.

• أي أطراف تحملونها مسؤولية الوضع الذي تعيشه ليبيا في الظرف الراهن ؟. وهل تعتقدون أن الانتخابات ستكون الحل النهائي للأزمة في ليبيا ؟.

جميع الأطراف التي شاركت في صنع الواقع السياسي والأمني والاقتصادي المتردي لها مسؤولية مباشرة عن هذا الوضع الذي يعيشه بلدنا اليوم من غير تخصيص.

أنا أؤمن كثيرا بالواقعية السياسية ولا أؤمن بسياسة الأرض المحروقة أو الإقصاء كما ينادي البعض، فأنا مقتنع أنه بدون وجود ضوابط لأي عملية سياسية في أي دولة كانت فإن النتيجة الحتمية ستكون الفوضى.

أفضل عدم التركيز على توجيه الاتهامات فهذا لن يفيد مواطنينا وبلادنا التي نفذ صبرها وهي تنتظر الخلاص.

وكما أسلفت، فإن الانتخابات من غير ضوابط دستورية صارمة وواضحة تحدد شكل الدولة ووجود ضامن، ممثلا في الملكية الدستورية، لهذه العملية فإن الانتخابات ستؤدي إلى مزيد من التنافر والصراعات، وهو ما يهدد وحدة البلاد لأن ليبيا ليست قادرة على تحمل أزمات أخرى أو حروب لا قدر الله.

• حديث كبير يدور حول مشروع مصالحة شاملة في ليبيا مقابل تسجيل تجاوزات كبيرة في مجال حقوق الإنسان.. ما موقفكم من هذا المشروع وهل أنتم مع فكرة العفو الشامل، أم تطالبون بإحقاق العدالة ومعاقبة المتورطين في الجرائم التي شهدتها ليبيا خلال السنوات الماضية ؟.

هناك مفاهيم يبدو لي دائما أن لها تعريفات غير واضحة في بلادي وهذا ناتج عن الفوضى الدستورية والسياسية وتعدد السلطات المتنازعة.

إن مفهوم العدالة هو مفهوم مطلق لا يحتمل التأويلات ولا الاجتهادات، فأي ظلم يحيق بأحد مواطنينا أو بشريحة من مجتمعنا لا بد أن يكون له إجراءات لتحييده وتعيد الحق لأصحابه وهذا موقف لا حياد عنه، أما بخصوص العفو السياسي فأنا أسانده وكنت دائماً من المنادين به فلا يمكن لنا ونحن نتحدث عن ملكية دستورية ديمقراطية أن نصادر حق أي مواطن في التعبير عن رأيه بغض النظر عن انتماءاته وأفكاره طالما ارتضى أن يتيح لغيره كذلك الحرية في التعبير عن أفكاره.

الدولة المستقرة وضامنها الذي يكون على مسافة واحدة من الجميع سياسيا واجتماعيا هو شرط مهم في ليبيا لتحقيق العدالة وصيانة الحريات وضمان عمل المؤسسات بشكل احترافي ومهني وهذا يشمل أجهزة الأمن.

ونحن بالتأكيد نثمن جهود أفرادها وتفانيهم ولكن هناك بعض المفاهيم التي سادت بفضل الممارسات القمعية التي كانت متبعة في الماضي وتحولت به بعض أجهزة الأمن إلى أجهزة قمعية بدلاً من أن تكون ضامنة لحرية المواطن.

أؤكد أن هذا سيختفي في حال تم استعادة الإطار الشرعي الدستوري الملكي الذي لن يعيد الأُطر الدستورية والقانونية فقط بل يستهدف استعادة الروح المؤسساتية التي تضع المواطن في قلب اهتماماتها.

• أي شخصية سياسية أو عسكرية ترونها قادرة على إخراج ليبيا من أزمتها في الوقت الراهـن ؟,

هناك شخصيات عديدة في ليبيا، عسكريون وسياسيون متميزيون وأيضا تكنوقراط ينتمون إلى عهود مختلفة، فمنهم من عمل في نظام العقيد معمر القذاقي ومنهم شباب جدد نحن في نتواصل مع عدد كبير منهم ونعتبرهم كوادر قادرة على تقديم ما يحتاج إليه الوطن، فهم علامة فارقة في تاريخ بلادنا.

أما بالنسبة للنخب السياسية الحالية فيجب أن تدرك أنه عليها التوقف عن المساهمة في استمرار الوضع الحالي المتردي ، مع العلم أن هذه الشخصيات سيكون لها دور كبير في بناء المرحلة القادمة، وسنكون حريصين على مد أيدينا إليها.

المصدر: باب «الحوار» بمجلّة: «أصوات مغاربية»

تاريخ: 17 أبريل 2023م

• ملاحظة: رابط المقابلة المنشورة أعلى الصفحة، موجود في أول تعليق.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :