جهاد النفاتي
لم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار بل أصبح قوة فاعلة تُسهم في تشكيل الوعي وتوجيه الرأي العام. وفي المقابل تظل حقوق الإنسان الركيزة الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات الحديثة باعتبارها الضمانة الأولى للكرامة والعدالة. وهنا يبرز السؤال الجوهري: ما طبيعة العلاقة بين الإعلام وحقوق الإنسان؟ هل هي علاقة تكامل ودعم متبادل، أم ساحة للتناقض والصراع؟
في الصورة المثالية تقوم وسائل الإعلام بدور شريك أساسي في حماية الحقوق من خلال نشر الوعي والتثقيف وإعداد التحقيقات الاستقصائية و التقارير التي تكشف الانتهاكات وتسلط الضوء على قضايا العدالة. وتمثل أيضاً منبراً مهماً للفئات المهمشة مثل النساء والأطفال والأقليات واللاجئين ليُسمع صوتهم وتُطرح قضاياهم بما يعزز قيم الحرية و العدالة والمساواة.
غير أن الوجه الآخر للصورة يحمل كثيراً من المخاطر. فعندما يغيب الضمير المهني وتُهمل القيم الأخلاقية يتحول الإعلام من أداة للدفاع عن الحقوق إلى أداة لانتهاكها، إذ قد ينزلق نحو بث خطاب الكراهية والتحريض على العنف ونشر الأخبار المضللة وانتهاك الخصوصية.
وهي ممارسات تضر بالسلم المجتمعي وتفاقم الأزمات خاصة في أوقات النزاعات والحروب.
إن القوانين والمواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تضمن حرية التعبير كحق أصيل لكنها تضع ضوابط صارمة تحول دون إساءة استخدام هذه الحرية بما يضر بحقوق الآخرين ومن هنا،،، يصبح التزام المؤسسات الإعلامية بمدونات السلوك المهني واجباً أخلاقياً يضمن احترام القيم الإنسانية.
خلاصة القول : إن الإعلام قد يكون قوة إيجابية تحمي الحقوق وتدافع عنها وقد يتحول إلى خصم خطير ينتهكها. والحد الفاصل بين هذين الدورين هو مدى الالتزام بالمهنية والمسؤولية الأخلاقية. فكلما تمسّك الإعلام بالمعايير الدولية وأخلاقيات المهنة كان شريكاً في ترسيخ العدالة أما إذا فقد هذه الضوابط فسيتحول إلى منصة للتحريض وانتهاك الحقوق.














