أطفال نازحون …غرباء في وطنهم !

أطفال نازحون …غرباء في وطنهم !

يعيشون قصصاً مأساوية

أطفال نازحون غرباء في وطنهم !

تستمر معاناة الأطفال النازحين في ليبيا ، في ظل استمرار مسلسل الحروب والاقتتال ، فهم اليوم باتوا غرباء و نازحين في وطنهم ، وعانوا ويلات الحروب ، وعاشوا في أوضاع استثنائية كانت لها أثر سلبي على حالتهم النفسية  “فسانيا” رصدت قصص بعض الأطفال النازحين في مدينة سبها.

سئمنا القتال

تقول طفلة فضلت عدم ذكر اسمها:”  أوباري مدينتي ولدت وكبرت فيها وعشت أجمل ذكرياتي بين أزقة شوارعها ،عشت أجمل لحظات حياتي وأتعسها فيها ، شوارعها ،جميلة مجرد المشي فيها تبعث الراحة في نفسك ، لم أتوقع يوما أن نيران الحروب القبلية ستعكر صفو مدينتي ، وترغمني على الرحيل “.

وأضافت بعد صمت:” بدون سابق إنذار اشتعلت الحرب وبدأ ذوي المدافع تصم آذاننا ، هذه الحروب فرقتنا عن أهلنا وأصدقائنا ، سئمنا من القتال نرغب بأمان براحة بسلام متى سنعيش بأمان ؟ ومتى سنرجع إلى مدننا ؟ .

وتتابع :” في يوم خروجنا من أوباري كان الدخان يرتفع حتى السماء والمنازل لا  نكاد نراها من شدة النيران ، كنت أعتقد بأن مدينتي ستختفي وتصبح كومة رماد، سبها كانت أمل لبداية جديدة ، ولكن عندما وصلنا إليها لم تكن أفضل حالا منا   فتشوبها بعض الحروب بين الحين والآخر ولكن تبقى أفضل الحال من أوباري.

وختمت حديثها :” من أكثر المشاكل التي واجهتني بعد انتقالي إلى سبها هي عدم انسجامي في المدرسة فبعض الطالبات لا يتعاملن معي بسبب توجهاتهم السياسية و البعض الآخر بسبب انتمائي القبلي ، ولكن الآن بعد انقضاء عامين هنا اعتدت على الحياة بينهم ، ولكن هذا لا يمنع من رغبتي الأكيدة إلى الرجوع إلى مدينتي أوباري ”

حياة سعيدة

القنطري طالب بالصف الخامس ابتدائي يقول:” كنا نعيش حياة رائعة يعمها السلام و الأمان وكنا سعيدين في مدينتنا ، و قبل عدة أشهر تغير الحال وتلبدت سماء مدينتنا الجميلة بغيوم سوداء أثارت الرعب والخوف في قلوبنا بدخول ” تنظيم الدولة ” أو من يسمون      بالدواعش ، في البداية كانوا يدخلونا البيوت ويبحثون عن الأسلحة وعن أي شيء يخالف قوانينهم مثل السجائر وغيرها ، وفي أحد الأيام اقتحموا منزلنا في غياب والدي كنا أنا وإخوتي ووالدتي ولكنهم لم يلحقوا بنا الضرر ، وبحثوا في كل أرجاء المنزل ولم يجدوا أي شيء يخالفوا قوانينهم وبعد أن أثاروا الفوضى في البيت خرجوا ، في تلك اللحظة كنا في قمة الرعب و الخوف وكانت أجسامنا تنتفض من الخوف، كانت هذه المرة الوحيدة التي دخلوا بها إلى منزلنا ، ومن هذا الموقف قرر والدي مغادرة سرت ، وبعد يومين عند الفجر خرجنا متجهين إلى الجنوب تاركين كل شيء خلفنا نجونا بأنفسنا ، أنا وإخوتي كنا  نيام ولم نشعر أبدا بخروجنا واستيقظنا في الطريق وظننا في بادئ الأمر بأننا في زيارة لأحد الأقارب ولكننا وجدنا أنفسنا في منطقة الجفرة واتجهنا إلى سبها بعد أن مكثنا بها يومين .

جريمة مروعة

وأضاف:” من أبشع اللحظات التي مرت علي عندما كنا في سرت مررنا في أحد الأيام بجوار الساحة وكان يوم جمعة وكان هناك جمع غفير من الناس فعرفنا بأنهم يقيمون الحد على شخص ما ولكن أرغمونا على أن نشهد ذلك الحدث ، فدخلنا إلى هناك ووجدناهم يحاولون قطع رقبة امرأة عجوز قالوا بأنها مشعوذة وحاولوا في المرة الأولى قطع رقبتها بسكين حادة وكبيرة ولكنها لم تنقطع وفي المرة الثانية أيضا لم تنقطع فشعرت بجسد يبرد من شدة الرعب والخوف وفي المرة الثالثة قطع رأسها وبدأت أتقيأ  ومنذ ذلك الحين أصبحنا نتحاشى الخروج يوم الجمعة من الطريق المؤدية للساحة حتى لا نرى هكذا مواقف .

بداية جديدة

وتابع :” في مدينة سبها كانت بداية جديدة مستوى معيشي غير معتاد عليه ومنزل جديد وجيران غرباء ومدرسة غير مدرستي ومعلمون وزملاء لا أعرفهم ، لم أنسجم  في البداية ، كان كل شيء غريب علي ، في كل يوم كنت أشعر بحنين كبير لمدينتي وأتمنى أن أرجع إلى هناك وألتقي بهم من جديد ، بالرغم من أنني لست حزينا من وجودي هنا ، ولكن أتمنى أن أرجع إلى هناك، أكثر ما أزعجني عندما أتينا إلى هنا هو نظرة بعض الطلبة ومشاجرتهم  الدائمة لنا ، والبعض يطلقوا علينا لقب النازحين، وأنا لا أحبذ أن يناديني أي أحد بهذا المسمى، وعندما أتينا للمدرسة كانوا الطلبة يضحكون علينا لأننا لم نكن نرتدي زي الرسمي للمدرسة ، لأنه في مدينتي كنا نرتدي ملابس عادية ولم نكن نتقيد بزي ، واستمرينا على هذا الوضع حتى وفر لي والدي زي مدرسي ، وبالنسبة للدارسة والمواد  فأول مشكلة واجهتني كانت مشكلة أن بعض المواد لم نكن ندرسها في مدرستنا مثل  التربية الوطنية و الإنجليزي  وغيرها من المواد ، وواجهتنا صعوبة كبيرة فيها”.

وعن قصته يتحدث الطالب بالصف الخامس الابتدائي بوشناف :” كنا نسكن في الشعبية وكنا قريبين من مقر ” تنظيم الدولة ” وعندما كانوا يقصفونا المقر كنا نشعر برعب شديد من أصوات القذائف و الصواريخ ولا نستطيع أن ننام طول الليل وكنا في رعب، متواصل ، وأيضا في أحد الأيام ذهب والدي لمدينة هراوة وفي الطريق كانوا” الدوا عش” يفتشون السيارات و يبحثون عن السجائر وعن أي شيء يخالف معتقدهم ، وكان والدي مدخن ولكن لحسن الحظ رآهم من بعيد وقام  بإلقاء السجائر بعيداً وعندما لم يجدوا عنده شيء تركوه يرجع إلى سرت وبعد العديد من المواقف التي جعلتنا لا نستطيع العيش في مدينتا قرر والداي الخروج منها والذهاب إلى

سبها علنا نجد الأمان والراحة هناك ، و بعد عدة أيام قام والدي بالذهاب إلى هناك حتى يبحثا عن منزل نستأجره ، وبعدها رجعت أمي وجئنا معها إلى سبها ، ونحن هنا منذ عدة أشهر فحاليا لا يستطيع أي أحد أن يخرج من سرت ، وحتى الاتصالات مقطوعه وهم في معزل عن العالم ، أنا في شدة شوقي لمدينتي  “.

وتابع:” عندما جئنا إلى هنا كنا نبحث عن الأمان والراحة و الاستقرار ، ولكن  وجدنا بها بعض المشاكل ولكن بالرغم من ذلك تبقى أفضل حالا من مدينتي ، المدرسة كان في البداية من الصعب ان أنسجم معهم خصوصا أن بعض الطلبة يستهزؤون بنا ، ويتعرضون لنا دائما ، ولكن بالنسبة للمدرسين فهم متعاونون معنا لأقصى حد”.

زهرة طالبة في الصف الخامس تقول:”  إن بنغازي هي مدينتي عشت فيها بسلام بين أهلي وأصدقائي وجيراني كنا كل يوم نذهب للمدرسة وبعد أن نعود نلعب سويا في المساء وكنا كثيرا ما نزور الحديقة ، ونلعب و نلهو هناك وفجأة تغير كل شيء لم يعد ذلك الأمان والاستقرار كالسابق بدأت أصوات القذائف ترهبنا  وتخيفنا ، ولم أكن أفهم شيئا مما يحدث ، وبعد مرور عدة أيام على حالنا قرر والدي الذهاب إلى سبها وقال لا نستطيع الاستمرار هنا وعلينا الرحيل في أسرع وقت ، وبعد عدة أيام جهز والداي للرحيل إلى هنا دون أن يشرح أي شيء عما يحدث “.

أشتاق لمدينتي

وأضافت : بالرغم من أنه أصبح لي صديقات هنا و أصبحت لي مدرسة ومعلمات جدد إلا أنني أشتاق كثير إلى أصدقائي ومدينتي و أتمنى أن أراهم من جديد، بالنسبة للمدرسة فلم أواجه أي مشاكل من تعامل المعلمين أو الطلبة ، ولكن المناهج الدراسية هنا أصعب من مدينتي فأجد صعوبة في بعض المواد “.

زهرة الطالبة بالصف التاسع  تتساءل: نازح لماذا يطلق علينا الناس هذه التسمية؟ تشعرني بأنني غريبة في وطني ، ألا لأننا لم نرضى بالظلم وخرجنا من بيوتنا بحثا عن الأمان يسموننا بهذه التسمية ، أكره أن يطلق الناس علينا هذه التسمية .

تقول:” كان العام الماضي صعب جدا علينا ولم أتوقع أنه في أحد الأيام سنخرج من سرت رغمنا عنا ، ولكن لم يكن في مقدورنا فعل أي شيء سوى الهروب من ظلم ” الدواعش ” إلى أي مكان آخر نجد فيه الأمان، كانت سبها هي وجهتنا ، جئنا وبدأنا نأسس لحياة جديدة ، لا تشبه السابقة في شيء ” وضعنا المادي في الحضيض ، ونفسيتنا منهارة جراء ما رأينا من أحداث من قتل وذبح و ضرب ، وغيرها من أنواع العذب ، فأخدنا وقت طويل حتى اعتدنا على هذه الحياة الجديدة .

و ذكرت :” المدرسة كانت هي ساحة المعركة بالنسبة لنا عندما كنا ندرس قبل انتهاء العام الدراسي ، فأنا و أختي ندرس معنا في نفس المدرسة ونفس الصف ، فكانت المديرة كل يوم تخرجنا في الطابور الصباحي و تهيننا على مسمع ومرأى من الجميع ، وهذا كان بسبب الزي المدرسي و ملفاتنا غير مكتملة .

و أضافت إحدى الطالبات ” خروجنا من سرت لم يكن بإرادتنا ، فنحن لم نرغب يوما بالرحيل بعيدا عنها ، في البداية تحملنا كل المعاناة هناك و قررنا البقاء فيها ، ولكن عندما تعرضنا للأذى بشكل مباشر قررنا الرحيل.

وتابعت ” وحدث هذا في أحد الأيام عندما  كنا جالسين سمعنا صوت الباب يدق بقوة ، هرع والدي للباب وعندما فتح وجدهم  رجال تنظيم الدولة ، فألقوا السلام عليه وبعدها سألوه عن عدد أبنائه ” خاصة الأولاد ” و أجابهم ولد واحد .

فقال أحدهم عليه أن يلتحق بالتدريب معنا كل يوم بعد أن يعود من المدرسة ، صعق أبي عند سماعه لهذا الحديث ، لا يزال صغيرا لا يقوى على التدريب هكذا كان رد أبي ، وغضب أحدهم وارتفع صوته وقال سيتعلم الجهاد في سبيل الله فكيف تمنعه ؟ ، وطال الحديث بينهم وكان والدي يحاول إقناعهم بعدم التحاقه بالتدريب ولكن عجز وفي النهاية قرر مسايرتهم ، وقال حسنا من الغد سيلتحق بالمقر لكي يتدرب معكم ، وبعدها رحلوا .

الحيلة

و أشارت ” وفي تلك الليلة لم يغمض لنا جفن وكنا خائفون جدا على أخي ، فلم يجد والدي حل آخر سوى الرحيل إلى سبها بعيداً عن هذه المآسي ، ومنذ الصباح بدأ أبي يجهز للرحيل ولكن طلبوا منه أن يأخذ تصريح خروج من سرت ، وعندما ذهب أبي لأخذ التصريح تقابل مع نفس الرجل الذي طلب منه انضمام أخي للتدريب ، وقال ألم أطلب منك أن تحضر ابنك ليتدرب عندنا ، قال له نعم  ولكنه صغير على التدريب ، وتدخل رجل منهم و قال ، دعهم يذهبوا فالطفل لا يزال صغير وهناك الكثير من الأطفال غيره ليتدرب عندنا ، وبدأ الرجل يحاول إقناع صديقه حتى وافق على توقيع التصريح ، وهكذا استطعنا الخروج من سرت .

و تابعت ” اعتقدنا أن سبها ستكون بداية جديدة وسعيدة ومريحة، ولكن عندما جئنا واجهتنا العديد من المشاكل وتغير وضعنا المادي إلى سيئ ، فنحن الآن نستأجر منزل والإيجارات هنا غالية جدا، وكان من الصعب علينا التأقلم بسهولة.

الشعور بالغربة

وأضافت ” أما بالنسبة للمدرسة ، فشعرت بأني غريبة عن المكان فلم أكن أعرف أي أحد هناك ، و أيضا كانت الفتيات يضحكن لأني لم أكن أرتدي مثل زيهن المدرسي ، لأنه لم يكن في استطاعتي في البداية ان أشتري واحدا ، ولكن تحدثت مع المديرة ، وبقيت لفترة حتى اشترى لي والدي زي مشابه لزيهن ، وكما أنه عند رحيلنا من سرت لم نحضر أوراقنا وملفاتنا المدرسية واجهتنا بعض المشاكل  حتى استطعنا أن نجلب ملفاتنا من هناك ، أكثر ما يزعجني هو المعاملة  السيئة من البعض وذلك بنعتنا بالنازحين ، فأنا أكره أن يناديني أي أحد بهذه التسمية ، فهذه الكلمة تثير غضبي فنازح كلمة تقال للشخص عندما يهرب خارج بلده  عن ملجأ آمن له ، و لكننا نحن لا نزال داخل ليبيا فلماذا يطلقون علينا هذا اللقب؟ .

و تابعت ” أتمنى أن ترجع بلادي كما كانت وأنا أرجع إلى سرت فأنا أشتاق إليها جدا وإلى أصدقائي وأهلي ، فالحياة هنا مختلفة تماما عن هناك بالرغم من أنه حتى سبها لا بأس بها ولكن تبقى مدينتي في نظري أجمل مكان ولا أستطيع العيش بعيدا عنها.

نفسيتهم منهارة

وأوضحت “خديجة  أخصائية اجتماعية ” كانت الحالة النفسية عند هؤلاء الأطفال منهارة جدا ، خصوصا بعد كل ما مروا به في مدنهم، من أحداث ، وكذلك الأجواء الجديدة من تغير مدارسهم وأصدقائهم و مستوى معيشتهم ،فكل ذلك كان له أثر كبير على نفسيتهم ، ففي البداية كان صعب على الطلبة أن ينسجموا بسرعة مع محيطهم الجديد ، فغالبا ما كنت أشاهدهم يجلسون بعيدين ومنعزلين يخشون التعامل مع الطلبة ،  وخاصة “بوشناف ” كان في أغلب الوقت يجلس وحيدا ويبكي كثيرا ، وهذا كان نتاج لتغير المفاجأة للبيئة الطفل وعدم الاستقرار الأسري نتيجة للأحداث الاستثنائية التي تعرضوا لها ، فكل هذه الأشياء أثرت سلبيا على الطفل ولكن ، بعد مرور وقت تم التعرف على أصدقاء جدد و وبدأوا يخرجون من قوقعة الوحدة التي كانوا يقبعون فيها ، وبدأوا الآن يتقبلون المكان و الناس ومع الوقت حتما سيعودون كما كانوا من قبل.

استكمال الإجراءات

و أضافت : طلبنا من بعضهم إكمال الإجراءات لأن هناك قرار من وزارة التعليم بأنه بعد مكوث الطالب لأكثر من شهر لا يعامل كنازح ، الآن نشهد تحسن كبير في نفسية الطلبة وخاصة القنطري ، فقد تحسن كثيرا ، ونحن مستمرون في تعاون مع أسرتهم حتى نحسن من نفسيتهم وإخراجهم من الحالة الكئيبة التي وصلوا إليها بسبب ظروف خارجة عن إرادتنا بالنسبة لتحصيلهم العلمي فمستواهم جيد ، ومن أكبر العوائق التي واجهتهم في سبها هو تغير وضعهم الاجتماعي من ممتاز إلى ضعيف فهم الآن مستأجرون ويحتاجون إلى قوت يومهم وإلى ملابس.

وأضافت ” كما أظهرت دراسة أجراها مستشفى بنغازي  ونشرت نتائجها مؤخرا أن87% من النازحين يعانون من الاكتئاب والقلق والخوف والاضطراب النفسي و الكوابيس ولهذا فإن الأطفال النازحين بحاجة إلى متابعة من قبل أخصائي اجتماعي ونفسي .

يبقى النزوح هو الحل الوحيد أمام المواطنين في بعض المدن التي تعيش حالة

استثنائية على جميع الأصعدة ، ويبقى الأطفال هم الضحية الأولى في ظل الحروب المندلعة في ليبيا، وللأسف حتى بعد نزوحهم من مدنهم بحثا عن الأمن في مدن و قرى مجاورة ، تبدأ معاناة جديدة في تلك المناطق ففي أغلب الأحيان لا يجدون المساعدة الإنسانية اللازمة.

فسانيا / زهرة موسى

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :