البكوش .. في انتظار اكليل الورد

البكوش .. في انتظار اكليل الورد

  • المهدي :: يوسف كاجيجي

أنا أهواك يابلدي�لأنك لست لي وحدي�فحضن الأم ما أحلاه مزدحما�كعش النحل بالولد�وحتى عندما ادفن�فلن أحزن�لان أحبتي والأهل فى بلدى�سيبكونى�ولن ينسوا بأنى من روائحهم�احب روائح الورد�فيلقوا فوق جثمانى اكاليلا من الورداربعة عشر عامًا مضت على رحيل الشاعر، ولم تتحقق أمنيته بوضع إكليلا من الورد على قبره ، حتى وبعد سقوط نظام سبتمبر لم يتذكره احد، ولا زال جثمانه الطاهر يرقد بعيدا عن الأرض التى احبها والتى حلم كثيرا ان يعود لها وندر حياته للدفاع عن قضيتها. انه عبدالحميد البكوش، المحامي والقاضي ووزير العدل، وأصغر رئيس وزراء فى تاريخ ليبيا، الدبلوماسي والشاعر والكاتب و واحد من قادة الرعيل الأول من المعارضين الاول لنظام القذافي.عرفت الرجل فى حقبة الستينات فى بداية عملى الصحفى، كان وقتها نائبا فى البرلمان في تلك الحقبة كانت أعلام القومية العربية ترفرف عاليا، وكان هو من الأصوات المعارضة حاملا لشعار ليبيا أولا، وبعد نكسة يونيو واجتياح إسرائيل للحدود العربية والهزيمة الموجعة، وقتها تلقى تكليف من الملك إدريس بتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة عبدالقادر البدري المستقيلة، وكانت اول حكومة ليبية فى عهد الاستقلال تحمل مشروعا وطنيا تحت اسم (الشخصية الليبية) عملا جريئا ذو رؤية مستقبلية، كان من الصعب استيعابه من قبل شارع عربى يقوده وقتها التيار الناصرى وأجهزة اعلامة المسيطرة على المشهد والمتمثلة فى إذاعة صوت العرب من القاهرة. اختلفنا معه، لم يبقى فى الحكم طويلا، وقدم استقالته، وعين سفيرا لليبيا في العاصمة الفرنسية، هذا التعيين لم يكن يعنى اختفاءه عن المشهد السياسى فى ليبيا، وفى نهاية الستينات مرت البلاد بمرحلة مخاض، خرج الملك إدريس من ليبيا وأقام فى تركيا رافضا العودة، تسربت أخبار عن رحلات مكوكية قام بها البكوش ما بين طرابلس ومدينة بورصة التركية حيث يقيم الملك فى محاولة لإقناعه بالعودة بل قيل وقتها انه كلف من قبل الملك بتشكيل حكومة أزمة والتمهيد لشكل الحكم الجديد القادم.وقع الانقلاب فى سبتمبر واعتقل الرجل وسجن، تعرض خلال عملية الاعتقال لكم هائل من الإهانات بل والتعذيب، وعندما تم إطلاق سراحه وضع تحت الإقامة الجبرية، ولقد قام بمحاولة غير ناجحة للهروب عبر الحدود التونسية وعند اعتقاله تم تسجيل شريط كامل بواقعة القبض علية تم عرضه على شاشات التلفزيون. وعندما اعتقد انه أستكان ورضخ للحكم الجديد سمح له بالسفر للخارج، ولقد اعلن بعد خروجه معارضته للنظام وطلبه لحق اللجوء السياسي في مصر.لا أبدا يا ولدي�لا ما هاجرت�لكنى خيمت بعيدا عن عرس الدم�أحزنني جداً يا ولدى�فى العرس الدم�لكن العيد سيقبل يا ولدي�في يوم العيد�واجئ بلادي مشتاقا فى يوم الوعد�ساجيئك يوما يا بلدي خذ هذا العهد�ساجيئك يوما يا ليبيا .. يا أم السعدفي قصيدته ليبيا يا أم السعد ردا على من اتهموه بالهرب وأيضاحا عن سبب خروجه من ارض الوطن. ربع قرن قضاها البكوش على ارض الكنانة لم يستكين لحظة، أسس فيها منظمة تحرير ليبيا كتنظيم معارض لما يجري في وطنه، تعرض لأكثر من عملية اغتيال كان من اشهرها فضيحة المجموعة المالطية التى دفع بها النظام ولجانه الثورية مقابل مبالغ مالية هائلة، وعند وصولهم للقاهرة تم القبض عليهم ودفعهم من قبل الأجهزة الأمنية المصرية بتنفيذ المطلوب في شكل تمثيللي واتصالهم بليبيا وتأكيد نجاح العملية ‘وخرجت أجهزة الإعلام الليبية على الملأ معلنه نجاح أحرار وأبطال ليبيا في تصفية الكلب الضال عبدالحميد البكوش، وكانت فضيحة.على ارض المهجر اقتربنا منه وتعرفنا عليه أكثر، كانت جلسته اليومية فى فندق ميريديان مصر الجديدة، ندوة يومية يتجمع فيها عدد من السياسيين العرب والكتاب والصحفيين ‘كان يمتاز بعمق الثقافة والحضور المثير للجدل ، وسببت كتاباته على صفحات الجرائد العربية وخاصة الحياة اللندنية انزعاجا لدوائر الحكم فى ليبيا، ولقد تداول الوسط الصحفى فى القاهرة حكاية تجنيد السفارة الليبية لإحدى المراسلين التابعين لجريدة عربية ودفع مبلغ ألف دولار شهريا مقابل تزويدهم بنسخة من مقالة عبدالحميد البكوش قبل النشر.عندما تم التصالح بين نظام القذافي وحسني مبارك، تم الاتفاق على الحد من نشاط المعارضة الليبية من الأرض المصرية، وخاصة للرموز المعروفة، تبع ذلك عملية إغراء ومساومة من خلال عروض وظيفية وتمويلات مالية في شكل مشاريع استثمارية،وعلى سبيل المثال قبل السيد عبدالمنعم الهونى وظيفة مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية ‘فى الوقت الذى رفض فيه البكوش كل العروض، وحتى يعفي المضيف المصرى من الحرج شد الرحال الى دولة الإمارات لاجئا ليواصل معارضته على صفحات الصحف ووسائل الإعلام المتاحة، في قصائده الشعرية ظل يحلم بالعودة الى ارض الصبا والشباب،وعاهد الأحبة على ذلك بقوله: ساجيئك يوما يا بلدي خذ هذا العهد،انتظر يوم العيد طويلا ولكن يوم العيد جاء متأخرا أربعة سنوات بعد ان تمكن المرض اللعين من الجسد الطاهر ومات غريبا على ارض غريبة ، ولا زال يحلم بان أحبته والأهل سيبكوه ولن ينسوا بانه من روائحهم فيلقوا فوق جثمانه اكاليلا من الورد.

* سبق النشر على صفحات ليبيا المستقبل، ويعاد بمناسبة الذكري الرابعة عشر لرحيله.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :