- عبدالرحمن جماعة
النص المترجم هو نسخة مشوهة عن الأصل، فعندما تقرأ رواية مترجمة فأنت تقرأ ما كتبه المترجم، وهذا بعيد كل البعد عما كتبه الروائي. وبمعنى آخر أنت تقرأ نصاً بلا روح. لأن الترجمة لا يُمكنها أن تستوعب الكم الهائل من التعبيرات الثقافية الفريدة للغة المصدر، فالكاتب لا يقول كل شيء، لأنه يعتمد على المخزون الثقافي للغته، فيخاطب القارئ من خلال إشارات وإحالات وتلميحات فتولد لديه الكثير من المشاعر، وهذه الإشارات والإحالات والتلميحات لا يُمكن ترجمتها لأنها ليست لغة مكتوبة. قد يجتهد المترجم في إضفاء روح جديدة على النص، ولكن في الغالب تكون النتيجة الإخفاق، وذلك بسبب أن المترجم في الغالب ليس أديباً، فيكون همه أن يحتفظ بحرفية النص وتراتبية الأحداث، وتماسك الحبكة. ولكن مع كل الجهود التي يبذلها المترجم فأنت لم ولن تقرأ النص الأصل. ربما نستثني بعض الأعمال، مثل ترجمات المنفلوطي التي لا يُمكن اعتبارها ترجمة بقدر ما هي كتابة جديدة، ولعلنا نستثني أيضاً رواية (الخيميائي) لباولو كويلو التي يبدو أنه كتبها بروح عربية، وتدور أغلب أحداثها في البلاد العربية، خاصة أن الرواية تجسد فلسفة صوفية إسلامية، وتتحدث عن رحلة البحث عن الذات. فيما عدا ذلك تبدو الترجمات أشبه بترجمة قانونية لأحداث وقعت، يحاول المترجم أن لا يفلت منها أي شاردة، في الوقت الذي غابت فيه شوارد كثيرة. إن اللغة هي وعاء يحمل في طياته مخزوناً هائلاً مما تم توريثه وتطويره عبر العصور، وهذا المخزون الكبير لا يُمكن نقله عبر ترجمة المفردات والجمل. إن الكلمة هي عبارة عن مفتاح، وهذا المفتاح يفتح الكثير من العوالم لدى القارئ، لكن هذا المفتاح لا يُمكنه أن يعمل بكفاءة حين تختلف الثقافات. والمفتاح الذي يفتح غرفة ليس هو الغرفة، ولا يمثل شيئاً بالنسبة إلى حجم الغرفة. وحتى بفرض أنك تعلمت لغة أخرى فإنك ستتعلم الكلمة ومعناها لكنك لن تدرك تلك العوالم المختبئة وراء المعنى. عندما تقرأ رواية مترجمة قد لا تتعاطف مع ما أراد الكاتب أن تتعاطف معه، وقد لا يفاجئك ما ينبغي أن تتفاجأ به، وقد لا يُدهشك ما يراه الكاتب مدهشاً، وقد تلاحظ فجوات أو إطالة في غير محلها، لكنها ليست كذلك في لغتها الأم، وذلك بسبب أن الانفعالات والأحاسيس والمشاعر تحركها الثقافة الواعية واللاواعية التي توارثها أبناء تلك اللغة، بينما لا يعدو النص كونه مجرد شرارة تومض ثم تختفي في لمح البصر لو لم تجد ما تنشب فيه. يمكننا أن نتصور أن القارئ غير العربي سيفهم شعر امرئ القيس المترجم إلى لغته، لكننا لا يمكن أن نتصور أن يتفاعل معه كما يتفاعل ابن اللغة العربية!. في أحد ترجمات القرآن الكريم إلى اللغة الانجليزية، ترجم (الحمد لله) إلىI thank) God)، وهي ترجمة خاطئة وبعيدة كل البعد، أولاً من حيث التركيب، فجملة (الحمد لله) تختلف اختلافاً كلياً عن (أنا أحمد الله)، لأن الأولى إثبات الحمد لله حتى قبل أن يوجد من يحمده، والثانية هي إعلان منك بأنك تقوم بحمد الله، وشتان ما بين الإثنين!. ثانياً أن الحمد ليس هو الشكر، وإن كان يتضمنه، وهو ليس المدح وإن كان يشمله. وإلى هنا قد يُمكن حل المشكلة وذلك بترجمة كلمة الحمد لله في صفحة كاملة، لكن الشيء الذي لا يمكن نقله إلى لغة أخرى، ولا يمكن تعديته إلى القارئ في الجهة المقابلة هو ذلك الشعور الذي يتولد عن القارئ العربي عندما يسمع كلمة الحمد لله!. ولذلك قالوا: “إن أي ترجمة هي خيانة للأصل”. ثمة إشكال آخر وهو تأثير تلك الترجمات على أسلوب بعض الكتاب العرب إلى درجة أن لغتهم صارت متخشبة ومتعالية على الواقع، وربما شككوا في ذائقة القارئ كنوع من الدفاع عن مركزهم النخبوي المزعوم.