علي بن سليمان
هناك حقيقة لا يتم التعاطي معها بنوع من الجدية والإدراك العميق رغم أنها تمثل القاعدة الرئيسية (لمعادلة التكيف) التي تمنح التشكيلات المسلحة القدرة على ممارسة أنشطتها داخل الفضاء الشعبي العام.
لأن التشكيلات المسلحة لا يمكنها أن تمارس عنفها وسطوتها وهيمنتها دون وجود فضاء معنوي وسياسي يمنحها الذريعة اللازمة لمزاولة نشاطاتها.
فهي ليست بمقدورها ـ أبدا ـ ممارسة العنف والسطوة العارية ـ لفترة طويلة ـ قبل أن تطيح بمعادلة التكيف مع الشرائح الشعبية على مستوى القاعدة العريضة.
ولهذا فهي ستكون مضطرة إلى العمل داخل فضاءات أو مجالات سياسية أو معنوية متاحة توفر لها المظلة أو الحاضنة السياسية أو المعنوية المبررة لبعدها الوظيفي ‘بغض النظر عن كيف يتسنى لها ذلك وبأي وسائل.
وهذه المظلة هي ما تكفلت بتوفيرها مجموعة وازنة من القوى الاجتماعية والسياسية أهمها ما يلي:
أـ السلطة الحاكمة:
التي عملت على شرعنة المليشيات قانونيا ومؤسسيا، وأسندت إلى قادتها ورموزها مناصب عليا وحيوية في إدارة الدولة بل وأسندت إليها وظيفة الأمن والاستقرار.
ب ـ النخب السياسية (الوظيفية):
وهي تلك النخب المنتظمة في السلك التنفيذي أو التشريعي على المستوى القيادي، وهي عبارة عن نخب رخوة وتمارس نوعا من الخطاب المطاطي الزلق المراوغ، حتى لا تضطر إلى الإعلان عن موقفها المبدئي من التشكيلات المسلحة، وهي بهذا تكرس شرعيتها وتستصحب قانونية وجودها كعضو غير دخيل على الجسم الوطني.
ج ـ النخب الثقافية والأكاديمية الفاعلة:
وهي تمارس ذات الدور الهجين بل وتكرس ما يدعمها من تحيزات ودفوع وخلفيات فجة تسوقها عبر تصريحاتها ولقاءاتها المختلفة.
د ـ بعض قطاعات الرأي العام الشعبي:
التي لازالت تتحدث عن علاقة الثورة بهذه العصابات وإنها تمثل الدرع الحامي والنواة الصلبة للدفاع عنها والمحافظة عن مكتسباتها والذود عن مدنية الدولة.
ه ـ الوعي الشعبي المتخلف بمفهوم المواطنة والوطن والدولة: وهو الوعي الجماعي الذي يسمح باستدخال كافة الرؤى والمواقف والممارسات المناقصة لمعايير:
ـ الدولة.
ـ المواطنة.
ـ الوطن.
دون الشعور بالتضارب مع الوعي المستضمر، إلا على المستوى البدائي أو العصبوي أو الموضعي.
فالغالب هنا هو التكيف والتماهي والتقمص والشرعنة، وإن بدت الأمور خلاف ذلك لوجود بعض الفروق الشكلية التي لا تؤثر في جوهر المسألة ولا تشوبها بشائبة.