المستشارة القانونية : فاطمة درباش
يعد مصطلح الانحراف في استعمال السلطة من أكثر المصطلحات دلالة على العيب الذي يصيب الغاية من القرار الإداري، فهو يشمل بتعبيره كل حالات الانحراف في استعمال السلطة ،كما يتماشى هذا العيب عندما يقع مع طبيعته حينما يقع بسوء نية مصدر القرار .
فتعد السلطة التقديرية للإدارة المجال الواقعي لظهور عيب التعسف في استعمال السلطة ،وذلك عندما يعطي المشرع للإدارة جانبا من الحرية في اتخاذ القرار الإداري أو عدم اتخاذه فهنا تكون حرة في تقدير الوسائل الملاءمة لبعض الوقائع،فلا يمكن ظهورها أو تصورها عندما تكون الإدارة مقيدة في سلطتها لأنها تكون في حالتها الأخيرة مقيدة بنص القانون
يرتبط عيب التعسف في استعمال السلطة”الانحراف بالسلطة”بالنوايا والبواعث الداخلية التي دعت لإصدار القرار الإداري،فهذه الطبيعة المزدوجة تميزه عن العديد من العيوب التي تشوب القرار الإداري، ويتميز بطبيعة موضوعية تتجلى بالهدف الخاص الذي يحدده القانون للإدارة بسلطتها التقديرية في تحقيق الصالح العام.
فلا يمكن لأن تبرر الإدارة ما تتخذه من قرارات بانحرافها في استعمال سلطتها بالظروف الاستثنائية ،لأن كل السلطات التي تتمتع بها جهة الإدارة في سلطتها في كافة الظروف العادية والاستثنائية تهدف لتحقيق الصالح العام
أكد القضاء في المحكمة العليا الليبية على أهمية عيب التعسف في استعمال السلطة وهي بذلك تؤكد الرقابة على مشروعية أعمال الإدارة، حيث يمكن الطعن في هذا العيب عندما يشوب القرار الإداري بكافة أوجه الطعن كإلغاء القرار الإداري ،وكان هذا واضحا في العديد من الأحكام
تنوعت مظاهر التعسف في استعمال السلطة وتعددت ،فهي تتمثل في الانحراف عن المصلحة العامة عندما تقوم الإدارة باستغلال سلطتها التقديرية التي منحت لها لتحقيق أغراض بعيدة عن المصلحة العامة، كذلك تتمثل المظاهر في الانحراف عن الأهداف المخصصة حينما تهدف الإدارة بقرارها تحقيق مصلحة عامة غير التي حددها لها المشرع، كذلك يظهر العيب في الانحراف باستخدام الإجراءات ،وذلك عندما تستخدم الإدارة بسلطتها التقديرية إجراءات لا يجوز لها استعمالها في الهدف الذي حدد لها لتحقيقه.
ويتمتع القاضي الإداري بدور ايجابي في إثبات عيب التعسف في استعمال السلطة ،ويظهر ذلك عندما يقدم المدعي ما يثير الشك حول الهدف الذي قصدت الإدارة تحقيقه من خلال إصدارها للقرار الإداري ،فينتقل عبء الإثبات إلى الإدارة ذاتها وذلك حتى تثبت صحة الهدف الذي تسعى لتحقيقه.
ومن خلال تتبع الدراسات توصلنا كذلك إلى أن القضاء الإداري يمنح لعيب التعسف بالسلطة في حال تعدد غايات القرار المطعون فيه،مكانة متواضعة وثانوية ،بحيث أنه إذا تبين أن مصدر القرار يستهدف تحقيق غايات وأهداف مختلفة ،يقرر القضاء الإداري رفض إلغاء القرار وتقرير مشروعيته مادام فيه بعض الأهداف التي تبغي الصالح العام وذلك على اعتبار ان مصدر القرار أراد تحقيق غايات مزدوجة “تعدد الأهداف “ويرفض بذلك القاضي إلغاء القرار المشوب بعيب التعسف باعتبار أن بعض الأهداف مشروعة وهذا سبب لانتشار تعسف استعمال السلطة باعتبار أنها عيب خفي مستتر وراء تحقيق الصالح العام كحجة للمشروعية، لذلك نوصي المشرع الليبي بضرورة التشديد على الإدارة من خلال تسبيب القرارات الإدارية –كلما أمكن ذلك- لاسيما القرارات التي تمس حقوق الأفراد بشكل مباشر مثل القرارات ذات السمة العقابية أي المقترنة بجزاء ،حيث أن مثل هذه القرارات تكون حقلا للانحراف بالسلطة “التعسف “.
نوصي المشرع الليبي بأن يكون عيب التعسف بالسلطة من النظام العام بحيث يكون للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ،فإن كان هذا العيب واضحا أمام القاضي كما لو اتخذ صورة مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف ،وكانت وسيلة الطعن التي يتمسك بها المدعي غير مجدية في إلغاء القرار ،فليس هناك ما يمنع القاضي من إلغائه طالما شاب هذا القرار صورة من صور عدم المشروعية، كذلك توسيع صلاحيات القاضي أكثر في كل ما هو لازما للإثبات . –
نوصي المشرع كذلك برد اعتبار الموظف الذي صدر في حقه الجزاء الكيدي في حال ثبت أن القرار الصادر بحقه يشوبه عيب التعسف في استعمال السلطة ،وذلك حتى لا تكون الوظيفة العامة مستنقعا لإشباع شهوة الانتقام والمآرب الشخصية ،وردعا لمن تسول له نفسه في إصدار القرارات التعسفية ،وذلك بأن يحال مصدر القرار المشوب بهذا العيب إلى المساءلة التأديبية، وأن يوقع عليه أشد العقوبات التأديبية المقررة ،وتحميله المصاريف والتكاليف المادية التي قضى بها الحكم، وذلك كردع له بأن ما ارتكبه خطأ شخصيا يتحمله بنفسه ،وليس خطأ مرفقيا تتحمله جهة الإدارة
تفعيل دور الدوائر القانونية بكافة وحدات الجهاز الإداري للدولة ،وذلك بمراجعة القرارات الإدارية التي تصدرها تلك الوحدات قبل اعتمادها أو التوقيع عليها ،لاسيما القرارات المتعلقة بالمتعاملين مع هذه الإدارات ،والقرارات الوظيفية،حيث تكثر هنا عيوب الإنحراف في استعمال السلطة التقديرية الممنوحة لهذه الإدارات.
نقترح بضرورة تقنين القانون الليبي، للمبادئ والأحكام المتعلقة بنظرية التعسف في استعمال السلطة ،نظرا لقلة الأحكام فيها، كذلك لأهميتها خاصة وأنها من العيوب الخفية الباطنة التي يصعب إثباتها.