الثالث مِن أكتوبر ! الذّكرى الحاديّة عشرة لوفاة آخر ملكات ليبَيا

الثالث مِن أكتوبر ! الذّكرى الحاديّة عشرة لوفاة آخر ملكات ليبَيا

  • شُكْري السنكي

الأميرة سكينة الشّريف محمّد بِن علي السّنُوسي (توفيت العَام 1984م)، شقيقة السّيِّد المجاهد الكبير صفي الدّين الشّريف السّنُوسي (1895م – 1967م)، والزوجة الثانيّة للمَلِك إدْريْس السّنُوسي. تزوج المَلِك إدْريْس (1890م – 25 مايو 1983م) حينما كان أميراً مِن السيِّدة عائشة الشّريف محمّد بِن علي السّنُوسي وقد توفيت مبكراً، وبعدها تزوج مِن أختها الصغرى السيِّدة سكينة – طيّب الله ثراها. تزوج السّيِّد إدْريْس السّنُوسي خمس مرات: أولاً من السيِّدة عائشة الشّريف محمّد بِن علي السّنُوسي وبعدها أختها الصغرى السيِّدة سكينة الشّريف ثمّ مِن السّيِّدة نفيسة العيساوية ثمّ السيِّدة فاطمة الشفاء أحمَد الشّريف السّنُوسي. ولم يكن على ذمته – طيلة حياته – أكثّر مِن زوجة واحدة، إلاّ فِي مرَّة واحدة ولم يستمر زواجه مِن الثانيّة طويلاً.

تزوج المَلِك إدْريْس السّنُوسي مِن السيِّدة عالية لملوم فِي القاهرة بتاريخ 30 يونيو 1955م، وقد حضر الرئيس جمال عبْدالناصر (1918م – 28 سبتمبر ١٩٧٠م) عقد قران المَلك إدْريْس الأوَّل، مَلِك المملكة الِلّيبيّة المتَّحدة، على الملكة، عالية، ابنة الرَّاحل الكبير عبدالقادر بك لملوم أحد أعيان الفيوم والشخصيّات المصريّة المعروفة، ابن المرحوم لملوم بك السعدي، عمدة الفوائد بالفيوم.


لم ينفصل المَلِك عَن السيِّدة فاطمة الشفاء وقتما تزوج مِن السيِّدة عالية لملوم والّتي لم يُكتب لزواجه منها التوفيق، حيث انفصل عنها بعْد مضي تسعة أشهر تقريباً، ليعود سعيداً إِلى الملكة فاطمة الشفاء أحمَد الشريف..« الّتي مَا برح يحمل لها أعمق الود والوفاء»، كمَا قال دي كاندول فِي كتابه: عاهل ليبَيا.
ولدت السيِّدة فاطمة الشفاء فِي واحة الكفرة وترعرعت فيها، وهي بنت الإمام ونائب خليفة المُسلمين فِي شمال افريقيا والمجاهد الكبير أحمَد الشّريف (1873م – 10 مارس 1933م)، ووالدتها هي: السيِّدة خديجة بنت سيدي أحمَد الريفي، والّذِي كان مِن كبّار الإخوان السّنُوسييّن. حضر عقد قرانها أو زواجها مِن الأمير إدْريْس السّنُوسي، ومِن طرفها أخواها: السّيِّد محيى الديّن والسّيِّد إبراهيم، وكان زواجها منه فِي العَام 1930م في مِصْر.
أحبت السيِّدة فاطمة زوجها وأخلصت له وظلّت وفية معه طيلة حياتها، وكانت هي بالنسبة للمَلِك الزوجة والصديقة وظل يحمل لها أعمق الود والوفاء حتَّى وفاته. وظلّت الملكة فاطمة الشفاء منذ زواجها من ابن عمّها إدْريْس السّنُوسي وهي توقع على كافة مراسلاتها باسم «فاطمة إدْريْس» لشده حبّها لزوجها وعظيم ارتباطها به، وظلّت طول عمرها تسعد كثيراً أنّ تدعى بـ«فاطمة إدْريْس».
كانت الملكة فاطمة الشفاء مِن المسلمات الصالحات المؤمنات التقيات العابدات، وَمِن النساء المميزات اللاتي منّ الله عليهن بالمعرفة والعلم الديني والعناية الإلهيّة، حيث عرفت باتصالها بأعلى سند فِي إجازة أذكار كتاب: «دلائل الخيرات» المعروف بـ«شوارق الأنوار فِي ذكر الصلاة على النبي المختار» للشيخ والإمام الجزولي – طيّب الله ثراه. وقد أجازت به بدورها عدداً مِن العلماء وطلبة العلم المعاصرين الّذِين جاءوها مِن مختلف بقاع الدنيا.


لم يحيا للمِلِك إدْريْس والملكة فاطمة أطفال، وقد قال أبوبكر الشكري حول هذا الأمر ما يلي: «ابتليت هذه الملكة الصالحة فاطمة الشفاء فِي نعمة الولد فرَّغم أنها أنجبت سبعة أطفال إلاّ أنهم توفوا جميعاً فِي المهد (منهم مَنْ ولد ميتاً ومنهم مَنْ فارق الحياة حال ولدته ولم يجاوز عمر احدهم يوماً واحداً)، ويذكر أنها كانت شغوفة بِالأطفالِ فقد قامت بحضانة ورعايّة السّيِّد عمر ابن شقيقها السّيِّد العربي منذ أن كان عمره سبعة أيّام عقب وفاة والدته السيدة فاضلة الرَّضا المَهْدِي السّنُوسي رحمها الله الّتي توفيت فِي حال النفاس. كمَا احتضنت الطفلة الجزائرية (سُليمة) الّتي فقدت بعضاً مِن أهلها في الحرب الجزائريّة ضدَّ الاحتلال الفرنسي».
تُوفي زوجها فِي مِصْر فِي يوم 25 مايو 1983م والّتي كان قد وصل إليها وزوجته الملكة فاطمة بعْد انقلاب سبتمبر المشئوم فِي الأوَّل مِن سبتمبر 1969م بقيادة الملازم معمّر أبومنيار القذّافي. ودُفن فِي مقبرة البقيع بالمدينة المنورة بجوار جده المُصْطفي صلى الله عليه وسلم، وبجانب قبر ابن عمّه الإمام المجاهد السّيِّد أحمَد الشّريف «والد الملكة فاطمة» رحمة الله عليهم جميعاً، وحقق المولى عز وجل أمنيته، حيث كان قد دعا ربـه قبل ستة وثلاثين عاماً مِن وفاته، بأن يُدفن بجوار الحبيب المُصْطفي، فقال فِي ختام قصيدة كان قد نسج أبياتها:
وحسنُ ختامِ آخرِ العمرِ نعمة * * * بيثرب حيث النبي المبشرُ
هذا وكانت الملكة فاطمة، وقد رافقت جثمانه فِي طائرة خاصّة نقلته مِن القاهرة إِلى مثواه الأخير، وبصحبة السّيِّد نافع العربي السّنُوسي والرّاحل فؤاد زهران الضابط المصري وياور المَلِك الخاصّ.
أخيراً، توفيت الملكة فاطمة فِي مستشفى «الصفاء» بشارع شهاب فِي القاهرة، الساعة الثانيّة عشرة وعشر دقائق بتوقيت القاهرة وذلك يوم السبت الموافق 3 اكتوبر 2009م. وأقيم العزاء فِي بّنْغازي فِي بيت شقيقها المرحوم السّيِّد محيى الدّين السّنْوسي، وبمسجد الحامدية الشاذلية بسور نادي الزمالك بالمهندسين فِي القاهرة. وتمّ دفنها بالمملكة العربيّة السعوديّة بجوار سيِّدنا حمزة ابن عبْدالمطلب عم رسولنا الكريم محمّد خير البرية عليه أفضل الصلاة والسّلام، وجوار شهداء موقعة «أحد» رحمهم الله جميعاً.
رحم الله الملكة فاطمة الشفاء فِي ذكرى وفاتها وجعل الجنّـة دارها ومأواها، والّتي لنا فِي تاريخ أسرتها وسيرتها العطرة وشخصيتها الفذة وعطائها العظيم داخل ليبَيا وخارجها المثل والقدوة والنبراس، ونستمد منه الأمل والقوَّة، والعزيمة والإصرار فِي استكمال مشوارنا الوطنيّ الذي بدأه آباؤها وأجدادها العظام وعلى رأسهم زوجها وأبانا المؤسس المَلِك إدْريْس – طيب الله ثراه.:

• أعيد نشر هذه المقالة الّتي سبق نشرها فِي 3 أكتوبر 2017م.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :