“الجريمة المنظمة وأهم آثارها”

“الجريمة المنظمة وأهم آثارها”

المستشارة القانونية : فاطمة درباش

  ارتبط مفهوم الجريمة المنظمة بتطور الحياة الإنسانية وتأثرها بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فانتقلت الجريمة، بأشكالها البسيطة وعناصرها الأولية، إلى مرحلة التنظيم العابر للحدود، وخصوصاً بعدما تعقدت المصالح وتشابكت فيما بينها، فبرزت إلى الوجود ما يسمى منذ أواسط القرن العشرين بالجريمة المنظمة التي ارتبط اسمها بجميع الممارسات اللا أخلاقية المهددة للقيم والعادات الإنسانية وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الجريمة المنظمة تصنف على أنها فئة من التجمعات لشركات ومشاريع عالية المركزية وتكون هذه التجمعات إما محلية أو دولية عابرة للحدود وتدار هذه الشركات عن طريق المجرمين الذين ينوون الانخراط في نشاط غير قانوني. في أغلب الأحيان تكون بهدف المال والربح، وبعض المنظمات الإجرامية مثل الجماعات الإرهابية تكون لها دوافع سياسية.

تدابيرُ منع الجريمة يجب أن تأخذ في الاعتبار مواطن الضعف الاجتماعي التي تؤثر في الإجرام، مثل انعدام المساواة والفقر ونقص الفرص وعدم مراعاة حقوق الإنسان. للأطفال حقٌّ في أن تُسمَع أصواتُهم، بما في ذلك عندما يكونون على احتكاك بنظام العدالة. أيُّ عنف ضد الأطفال ليس مقبولاً، فكل أشكال العنف يمكن تفاديها.فالفرق بين الجريمة والإجرام يكمن في أن

مفهوم الجريمة والمجرم إذا كان علم الإجرام هو العلم الذي يحاول تفسير الظاهرة الإجرامية من حيث أسبابها ودوافعها. فالجريمة هي كل ما يخالف قاعدة من القواعد وضعت لتنظيم سلوك الإنسان في مجتمعه. إن فكرة الجريمة لا تتغير في جوهرها بل تتغير صورها وتتعدد بحسب المصدر الذي وضع الأوامر والأنظمة، وللجريمة العديد من الأسباب منها أسباب عامة وأخرى خاصة – فالعامة تتمثل في الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بينما الخاصة تتمثل في انعدام الوازع الديني، والأسرة التي يعيش فيها الإنسان، وأسباب اقتصادية خاصة بالفرد، والكره والحقد، وحب السيطرة، وحب الفضول والمغامرة وتجربة الأمور غير الطبيعية.

الجريمة المنظمة هي ظاهرة دائمة التحول تمسُّ جميع البلدان. والجماعة الإجرامية المنظمة هي تلك التي تضم ثلاثة أشخاص أو أكثر، وتتسم بقدر من التنظيم الهيكلي، ويمتد وجودها فترةً من الزمن، وتهدف إلى ارتكاب واحدة على الأقل من الجرائم الخطيرة.

جني الأرباح هو الغرض الأساسي للجريمة المنظمة فكثيراً ما تذهب هذه الجماعات بعيداً في السعي إلى إخفاء وحماية ما تكسبه من الأنشطة غير المشروعة، عن طريق الفساد وغسل الأموال والابتزاز وغيرها من أشكال التسلل إلى قطاع الأعمال والجهاز الحكومي. ومن الشائع أن تعمل الجماعات الإجرامية المنظمة عبر الحدود؛ وتنوُّع المجالات التي يمكن أن تتواجد فيها إنما يعني أنها أكثر حضورا في المجتمع مما قد يَظُنُّه المرء عادة.

وتعمل الجماعة الإجرامية المنظمة أيضاً على نحو منسَّق بغية تحقيق غرضها العام المتمثل في الحصول على منفعة مالية أو مادية أخرى. وكثيراً ما تجد الجماعات الإجرامية المنظمة مجالاتها الرئيسية لجني الأرباح في توفير سلع وخدمات غير مشروعة تحظى بإقبال شديد من عامة الناس. ومن أمثلة الأنشطة التي يمكن أن تكرس الجماعات الإجرامية المنظمة نفسها لها: الاتجار بالمخدِّرات، الاتجار بالأسلحة النارية، الاتجار بالبشر، تهريب المهاجرين، جرائم الحياة البرية والحرابة، الاتجار بالسلع المقلَّدة أو بالمنتجات الطبية الزائفة أو الاتجار بالممتلكات الثقافية.

 والجريمة المنظمة بشكل عام هي عبارة عن مشروع إجرامي قائم على مجموعة من الأشخاص يوحدون جهودهم من أجل القيام بأنشطة إجرامية على نحو دائم ومستمر -غالباً- ويتسم هذا التنظيم بكونه هيكلياً متدرجاً. أي ذو بناء هرمي يضم مستويات قيادية وأخرى تنفيذية، ويعمل أعضاؤه وفقاً لنظام داخلي يحدد دور كل منهم ويضبط إيقاع العمل داخله، ويكفل الطاعة والولاء لأوامر القيادة العليا.

ومن بين الخصائص التي تتميز بها الجريمة المنظمة اتسامها بوجود جماعة إجرامية من ثلاثة أشخاص على الأقل، وأن تلك الجماعة ذات بناء هيكلي متدرج، وأن هناك علاقة ممتدة ومستمرة بين أعضائها لفترة من الزمن، وأن الهدف الأساس لها هو تحقيق أرباح هائلة من مصادر غير مشروعة، كما أنها تستخدم وسائل العنف والتهديد والابتزاز لتحقيق تلك الأهداف.

تعبر الجريمة المنظمة عن الجريمة ذات الخطورة المختلفة عن الجريمة العادية ، إذ تتطلب تعاونا دوليا لمكافحتها خاصة عندما تتعدى حدود الدولة الواحدة من حيث قيامها أو تنفيذها ، ولما لها أيضا من أثر واسع على الأمن الإنساني والاقتصادي إذا تعلق الأمر بالجريمة المنظمة عبر الوطنية أو العابرة للحدود . ولأجل ذلك تبنى المجتمع الدولي عدة اتفاقيات دولية وإقليمية لمكافحة هذه الجريمة ومنحها خصوصية موضوعية وإجرائية ، وسعت الدول ومنها الجزائر والإمارات إلى إنفاذ هذه الاتفاقيات في تشريعاتها الوطنية وهو ما يقف البحث عنده مع التركيز على الجانب التأصيلي المفاهيمي للجريمة والجانب الموضوعي حول خصوصية أركان الجريمة المنظمة كجريمة مستقلة مع تعدد صورها والتمييز بينها وبين اعتبارها وصفا جنائيا لجرائم موجودة مسبقا.

ونظراً لخطورة هذه الظاهرة المتنامية، بذلت الكثير من الدول والهيئات الدولية جهوداً مضنية في التصدي لها ومكافحتها على جميع الصعد، الوطنية والدولية، ومحاولة تلافي آثارها الخطيرة، والمتمثلة في إضعاف كيان الدولة وسلطتها والانحراف بالقيم والتوازن الأخلاقي للفرد والمجتمع.

تشكِّل الجريمة المنظمة، بجميع صورها وأنماطها، خطراً عاماً على الدول والشعوب. فقد ارتبط هذا التعبير بمعظم الرواسب المجتمعية كانتشار الإجرام والانحراف والبطالة والتضخم والفساد وغيرها من العوامل الأخرى التي تعمل الحكومات والهيئات الدولية على إيجاد الحلول الملائمة لها والحد من آثارها السلبية. فمن أهم آثارها تهدد أنشطة الجريمة المنظمة تماسك الكيان الاجتماعي للدولة والقيم السائدة، وذلك عبر إشاعة ظواهر الإجرام العنيف والمفسد، كترويج المخدرات والبغاء والقمار والسلاح والمؤثرات المخلة بالأخلاق والصحة العامة وإثارة الخوف والرعب مع ازدياد معدلات الجريمة والانحراف، وخصوصاً لدى أوساط الشباب والنساء والأطفال. تسهم الجريمة المنظمة في إفساد الكيان الاقتصادي والمالي والإداري للدولة عبر إشاعة جرائم الرشوة والفساد والاتجار بالسلاح والمخدرات والأعضاء البشرية، وممارسة الغش والتزوير والتهرب الضريبي والجمركي وغسل الأموال وتهريبها للخارج وتهديد سلامة المؤسسات التجارية والمالية والمصرفية. وهذا ما قد يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الوطني وإشاعة روح عدم الثقة عند الناس، وخاصة لدى رجال الأعمال والمستثمرين. وتزيد الجريمة المنظمة من عوامل التضخم والعجز في الميزان التجاري وارتفاع حدة التفاوت بين الطبقات الاجتماعية ونسبة الديون العامة والإنفاق على الأجهزة الأمنية والقضائية، وإرباك الأسواق الوطنية، مما يؤدي إلى حدوث أزمات اقتصادية ومالية وتقويض جهود التنمية الوطنية واستقرار النظام الاقتصادي العالمي.

لم يهتم المجتمع الدولي بمكافحة الإجرام المنظم إلاَّ في وقت حديث نسبياً، إذ انعقدت تباعاً مؤتمرات ولقاءات عدة بإشراف هيئة الأمم المتحدة لبحث موضوعات تمس مباشرة ظاهرة الجريمة المنظمة كمعاملة المجرمين وطرق الوقاية من الجريمة وتطوير نظام العدالة الجنائية والتنسيق القضائي والأمني بين الدول. وقد برزت هذه الجهود بشكل ملموس ابتداءً من عام 1988 بعقد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، والتي أثمرت عن إنشاء أجهزة دولية متخصصة بوضع أحكام الاتفاقية موضع التنفيذ، مثل لجنة المخدرات وبرنامج الأمم المتحدة المعني بالمكافحة الدولية للاتجار بالمخدرات والترويج لها وتعاطيها.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :