إعداد : وتوثيق أبوبكر مصطفى خليفة
للجزائر دور ملحوظ في احتواء الخلافات الليبية بشكل حذر نابع من تجربة قاسية مرت بها الجزائر حتى نالت استقرارها من هذا المنطلق لم يظهر كما أشرنا في السابق الدور الجزائري في ليبيا مباشرة إلا بعد أن هدأت التوترات إلى حد ما بعد انتهاء المجلس الوطني الانتقالي وانتقال السلطة للمؤتمر الوطني والحكومة المنبثقة عنه وتراجعت الجزائر عن طلبها الاعتذار الرسمي من ليبيا إزاء اتهام بعض المسئولين الليبيين للجزائر بإرسال مرتزقة للقتال في صفوف قوات القذافي ، بينما هدأت الاتهاما ت الليبية اتجاه الجزائر
عودة العلاقات الليبية الجزائرية في شكل دبلوماسي بارغماتي
وبالعودة إلى تقديرات السياسيين و الصحفيين المهتمين بالشأن الليبي والجزائري ، فقد اتفق الجميع على أن عودة العلاقات الليبية الجزائرية ولو في شكل دبلوماسي بارغماتي ومتدرج أمر حتمي بفعل الطبيعة الجغرافية والتاريخية للبلدين الجارين ، مع الأخذ في عين الاعتبار أن بعض المهتمين انتقدوا تأخر الجزائر و عدم قدرتها على تقدير الموقف الذي كان يشير بوضوح إلى قرب سقوط القذافي بعد أن كان الموقف الدولي واضحا في هذا الاتجاه حيث وضع ثقله بالكامل في العمليات العسكرية الجوية ضد قوات القذافي انتهاء بقصف الرتل الذي كانت فيه سيارة القذافي ما أدى بالتالي إلى أسره وقتله فيما بعد ، لكن صحفيين آخرين ردوا بأنه وبالرغم من تأكد الجزائر من حتمية سقوط القذافي إلا أن عوامل أخرى كانت من الممكن أن تؤثر على الوضع الداخلي الجزائري إذا ما اتخذت الجزائر موقفا مؤيدا من ثورة فبراير وهو وضع مختلف عن الوضع التونسي والمصري اللتان كانتا قد خرجتا لتوهما من ثورة شعبية جعلت حركة الحكام الجدد للبلدين اكثر مرونة اتجاه القضية الليبية.
الجزائر حاولت منذ البداية ايجاد حل سلمي وسياسي للازمة الليبية
ويبدوا ان حكومة الجزائر ربما قد وجدت فرصتها لتعويض التأخر في اتخاذ موقف ايجابي من الثورة الليبية ، وذلك عن طريق محاولة لعب دور ايجابي في أزمة الانقسام السياسي الذي تأزم بشكل كبير سنة 2014 م ، منتجا حكومتين وبرلمانين في كل من شرق البلاد وغربها.
ويشير مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية وهو مركز بحثي تونسي يقع مقره الرئيسي بالعاصمة البريطانية لندن يوم السادس من شهر يونيو 2016 إلى أن دولة الجزائر حاولت منذ البداية إيجاد حل سلمي وسياسي للازمة الليبية ، من خلال مجموعة من المبادرات التي قامت بها سواء في دعوتها لتشكيل تنسيقية ما بين دول الجوار الليبي لإيجاد حل للازمة السياسية الليبية ، أو حتى من خلال الجهود الفردية التي قامت بها في سبيل إنهاء بعض الصراعات التي نشأت في بعض المناطق الليبية على غرار المعارك التي اندلعت في اوباري ما بين التبو والطوارق , حيث قادت الحكومة الجزائرية جهود وساطة عبر أعيان من منطقتي إليزي والطاسيلي مع وجهاء من جنوب غرب ليبيا لوقف الاقتتال بين قبيلتي التبو والطوارق عقب تجدد الاشتباكات المسلحة التي خلّفت عشرات القتلى خلال أيام قليلة .
دورة الجزائر في حل الأزمة المندلعة بين قبيلتي التبو والطوارق
وقال مصدر حكومي جزائري آن ذاك ، أن الجزائر دخلت مجددًا على خط الأزمة المندلعة بين قبيلتي التبو والطوارق بالجنوب الغربي لليبيا بهدف إنهاء الحرب الدائرة بين الطرفين، مستعينة بمشايخ قبيلة أدنان وأعيان الطوارق من جهة ومن جهة أخرى تسعى للتأثير عن طريق تشاد على قبائل التبو.
وأضاف المصدر الجزائري أن أعيان جنوب البلاد طالبوا من السلطات التدخل العاجل واستخدام ثقلها لمنع تجدد الاشتباكات وكذلك فتح المعابر أمام طوارق ليبيا، محذرين من انعكاسات ما يتعرض له هؤلاء على الطوارق في الجزائر.
ورغم ان السلطات الجزائرية قد أغلقت الحدود البرية مع ليبيا في شهر أبريل 2014، بسبب الوضع الأمني في البلاد، إلا أنها قررت في فبراير 2015م فتحها أمام الحالات الإنسانية، إلى جانب نقل شحنات من المواد الغذائية إلى سكان الجنوب الغربي في ليبيا لمساعدتهم على تجاوز الأزمة الإنسانية.
الجزائر استضافت اجتماعات تشاوريه ما بين الأحزاب السياسية الليبية
كما ارسلت 70 طنًا من المساعدات الإنسانية المتنوعة إلى المواطنين الليبيين المقيمين بالمناطق الليبية الحدودية المتاخمة للحدود الجزائرية وفي إطار سعي حكومة الجزائر الى دعم الجهود الاممية الرامية الى الوصول الى اتفاق بشأن الصراع السياسي في ليبيا فقد تعاونت الجزائر وبشكل غير مسبوق مع المغرب لاستضافة جزء من الحوارات التي انطلقت كجزء من الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة في الصخيرات المغربية ، فاستضافت الجزائر اجتماعات تشاورية ما بين الأحزاب السياسية الليبية وكذلك عمداء البلديات الليبية التي أدرجت ضمن الاتفاق السياسي الليبي أيضا وهي اجتماعات مهدت فيما بعد وفي شكل تكاملي مع اجتماعات الصخيرات الى توقيع مسودة الاتفاق الخامسة والى جانب دعم الجزائر القوي لجهود الأمم المتحدة فقد استقبلت الجزائر كلا من وزراء خارجية هولندا وايطاليا وبريطانيا و مسئولين كبار آخرين في الدول الغربية بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون “،حيث عبرت الجزائر في المؤتمرات الصحفية اللاحقة لكل هذه اللقاءات أن الجزائر تدعم الوصول إلى حل سياسي سلمي في ليبيا مؤكدة على رفضها إي تدخل عسكري في البلد الجار .
وهو ما حاولت الجزائر من خلال نفوذها في الاتحاد الإفريقي وتأثيرها على الدول الإفريقية أن تجعله موقفا رسميا تتبناه اغلب الدول الإفريقية ، ولعل استقبالها خلال السنتين لبعض الرؤساء والمسئولين لدول كل من السنغال و ساحل العاج والنيجر والسودان والمغرب وتشاد يأتي في هذا الإطار .
وتوّج الموقف الجزائري أخيرا بزيارة وزير الشؤون المغاربية والأفريقية والجامعة العربية الجزائري، عبد القادر مساهل إلى طرابلس حيث اجتمع مع أعضاء من المجلس الرئاسي قبل ان يخرج في مؤتمر صحفي في قاعدة ابي ستة بطرابلس مقر مجلس رئاسة الوزراء رفقة نائب رئيس الوزراء احمد معيتيق وكان ما صرح به مساهل في هذا المؤتمر معبرا وبشكل واضح عن السياسية الجزائرية اتجاه ليبيا والتي قال فيها : «إن مساندة ليبيا لكفاحنا العادل لا ننساه، وفي الوقت نفسه عندما تعيش الشقيقة ليبيا مرحلة صعبة فلابد أن تكون الجزائر واقفة مع الشقيقة ليبيا، كما أن لنا مصيرًا مشتركًا، فلنا حدود مشتركة وشعب واحد، وعائلات ما بين الجزائر وليبيا».
دماء ليبية سالت من أجل تحرير الجزائر
وأضاف مساهل في مؤتمر صحفي عقد مع نائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق «عندما تكلمت على مساندة ليبيا لكفاحنا العادل لأنه سالت فيه دماء ليبيين من أجل تحرير الجزائر، فمنذ بداية الأزمة كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يركز دائمًا على الحل السياسي للأزمة الليبية، ولا يوجد بديل للحل السياسي والمصالحة الوطنية ولا يوجد بديل للحوار الوطني». كما أكد مساهل أن تواجده في ليبيا يعبر عن تضامن الجزائر مع الشعب الليبي، «وفي الوقت نفسه نقدم كل ما في وسعنا لمرافقة الشقيقة ليبيا في هذه الظروف.
تحدثنا مع أحمد معيتيق عن المرافق والحدود والمناطق الحدودية بحاجة لتنمية». واسترسل الوزير الجزائري قائلاً: «نحن موجودون في ليبيا ولم نتأخر عن ليبيا وعلاقتنا يومية مع أخواننا الليبيين. الإرهاب ينمو في ظل عدم وجود مؤسسة دولة أو دولة قوية. ليبيا بحاجة إلى مؤسسة دولة قوية. لا يوجد خيار لدى الأخوة الليبيين إلا إعادة بناء دولة المؤسسات وتحتاج مراحل مهمة لذلك. نجتمع على مستوى دول الجوار للبحث في المواضيع التي تخص الهجرة والأمن، والحوار يجب أن يكون مفتوحًا دائمًا بين الليبيين. تقوى ليبيا من الليبيين وتضعف ليبيا من الليبيين». وفيما يتعلق بمدى قدرة دولة الجزائر على الحفاظ على موقفها الداعم للاتفاق السياسي و اعتماد الطرق السلمية في محاولة الوصول إلى حل للازمة الليبية ورفض التدخل العسكري ، فان عاملين رئيسيين يؤخذان في عين الاعتبار لتقييم مدى امكانية او عدم امكانية تغير الموقف الجزائري ، اولهما ان الجزائر استطاعت ان تتخذ دائما موقفا مغايرا من القضايا الاقليمية على غرار الموقف من التدخل العسكري في ليبيا ومالي سنتي 2011 و2012 ، واستطاعت ان تصمد ولفترات طويلة وتحافظ على موقفها ، لكن ومن الناحية الاخرى فان هناك عوامل اخرى قد تؤثر على الموقف الجزائري فالواضح حتى الان ان مخرجات اتفاق الصخيرات (الحكومة ومجلس الدولة و البرلمان) لم تستقر حتى الآن في ليبيا ، بل يبدو ان الانقسام قد زاد لينقسموا على بعضهما بناء على الموقف المؤيد او المعارض لاتفاق الصخيرات ، وهو امر قد يطيل الازمة الليبية و يزيد من استمرارية وحدة تأثيرها على الاوضاع الداخلية لدول الجوار وعلى رأسها الجزائر ،ما قد يؤدي الى تغير نوعي ولو طفيف في الموقف الجزائري ازاء الازمة الليبية اذا ما قيمت الجزائر ان استمرار الوضع على ما هو عليه في ليبيا وزيادة حدته له عواقف اكبر من التدخل بشكل مختلف في الأزمة الليبية قد يكون التدخل العسكري احد اشكالها ، اما فيما يتعلق بمدى تطور العلاقات الليبية الجزائرية ليصبح اكثر تكاملا و ثنائية ، فانه من المبكر الحديث عن هذا الأمر في المرحلة الحالية رغم ما قد تمهده هذه المرحلة لتطور العلاقات الليبية الجزائرية فيما بعد ، لكن الأمر مرهون بمدى إمكانية الوصول إلى استقرار سياسي في البلاد و تشكيل أجسام سيادية موحدة للسلطات التشريعية والتنفيذية ، وقدرة البلاد على تبني سياسة خارجية متزنة مبنية على مواقف واضحة من الدول الأخرى خاصة فيما يتعلق بدول الجوار ، وليس بناء على عواطف ومواقف شخصية للمسئولين الليبيين
أن دخول الجزائر على خط إيجاد حل للازمة الليبية سيشكل داعما أساسيا لعلاج الأزمة خصوصا أن للجزائر تقلها ووزنها الإقليمي والعربي والإفريقي والدولي والذي يحتاج إلى تضافر الجهود الليبية المخلصة في الداخل للمصالحة الوطنية الجادة بما يعزز السلم الاجتماعي داخل الدولة الليبية بالتعاون والتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة .
.