الحرب الليبية أو الحرب في ليبيا.

الحرب الليبية أو الحرب في ليبيا.

بقلم:: محمد جمعة البلعزي

لا غرابة في أن يتبادر للوهلة الأولى إلى ذهن من يقرأ عنوان مقالتي هذه أنني بدأت “أخرّف” بعد أن أصبت من السن نصيبا، لكنني، كما يقولون، أعني ما أقول. فكثيراً ما شاركت في ندوات واجتماعات تركزت أو تناولت ما تعيشه سوريا من حرب ومواجهات دموية امتدت لسبع سنين دونما حل ولا نهاية وشيكة أو قريبة، وكلما أوشكت الحرب على وضع أوزارها، بفضل متدخلين خارجيين للجمع بين أطراف النزاع،تستعيد الحرب سعيرها وبقوة لتحرق ما بقي من بشر وشجر وأرض وتنسف محاولات الحلول المطروحة، لتكمل ما حرقه ودمره ونسفه تنظيم داعش.
في كافة أو أغلب تلك الملتقيات يطفو على السطح إصرار على تسمية تلك الحرب بـ “حرب سوريا” أو ” الحرب السورية”، لكنني أسعى بكل ما أوتيت من قوة لفظ وتعبير، وأحياناً بسخط ظاهر، إلى إقناع الحاضرين والمشاركين بأن “حرب سوريا” لم تعد حرباً سورية بقدر ما هي “حرب في سوريا”، وأعني بذلك أن ما بدأ سورياً بحتاً من مواجهات بين نظام قائم وقوى سياسية معارضة،تحولت مع مرور الزمن وبفعل عوامل التعرية في الأفكار السياسية المعادية إلى دخول قوى أجنبية على الخط، لمساندة طرف أو آخر من طرفي النقيض.
سوريا أصبحت اليوم ميدان رماية وتدريب على ما استُجِدَّ من أسلحة لجيوش وطيران قوى أجنبية، غربية وشرقية، وحتى إسرائيلية وتركية، وتحوّل ما كنا نعتبره تمرداً شعبياً على نظام دكتاتوري في خضم ما سمي زيفاً “بالربيع العربي”، إلى حرب تتواجه فيها قوى أجنبية في عملية استئناف لما سميت في زمن ولّى بـ “الحرب الباردة” بين كتلتين عظميين، غربية وشرقية.الحرب في سوريا اليوم ليست حرباً سورية على الإطلاق، وإنما حرب عالمية تتصارع فيها القوى الكبرى للسيطرة على المنطقة وخلق مناطق نفوذ جديدة بمسميات بديلة. فبعد قرن من تمرير صفقة سايكس بيكو وانتهاء الحرب العالمية الأولى، ثم تقسيم رقعة الوطن العربي الواحد إلى قطع أراض تم توزيعها قبلياً وجهوياً بانتهاء الحرب العالمية الثانية، ها نحن نشاهد ونعيش اليوم الحرب العالمية الثالثة بكل معانيها، إلا أنها هذه المرة لا تتميز بتدخل جحافل الجيوش والاحتلال والاستعمار كما كان سابقاً، بل حرب بالوكالة ينفذها أهل الدار ومن جاورهم وبتمويل من ذوي عرقهم.
وعرجاً على ليبيا، التي خرج سكانها بكل إرادة وبراءة على سلطانها الجائر معتقدين وجازمين أنه بإسقاطه ستنتهي مشاكلهم الحياتية وسيعيشون هم وأبناؤهم مستقبلاً أفضل، نجدها تعيش منذ سبع سنوات حرباً طاحنة بين أهلها بسبب تعنت أناس منها باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان إلى من يدفع أكثر، فرغم أنها تختلف من وجهة نظر القوى العظمى عن سوريا، من حيث أنها بلد غني بالنفط والغاز الطبيعي وأن موقعها الاستراتيجي يجعل منها، من جهة، بوابة شمالية لقارة أفريقيا، ومن جهة أخرى، قاعدة جنوبية للهيمنة على حوض المتوسط، إلا أنه لا مفر لها من أن تتحول إلى سوريا جديدة، فقد سبقتها العراق، التي رغم كونها دولة نفطية قويةتسكنها طوائف دينية وعرقية متعددة يحسب لها ألف حساب قبل محاولة تفكيكها مخافة أن ينفرط عقدها وتتحول إلى بؤر توتر وإرهاب وأعمال عنف، إلا أن غباء سياسات البلدان الغربية بزعامة أمريكا، ورئيسها المجنون بوش الابن، أدخلها في العراق رغم نصائح وتحذيرات العارفين بواقع تلك البلاد، وها هي العراق تعيش وسط بحيرة دم منذ أربعة عشر عاماً.
الصراع على ليبيا سيكون أشد وأقوى على أهلها للأسباب التي ذكرناها، وكم أتمنى أن أخطئ في توقعاتي، لكن الحقيقة المؤلمة والمبكية أن قادة وعناصر الميليشيات (الكتائب) المسلحة التي تعيث في البلاد فساداً، لا يرون أقصى من حدود “الشباشب” التي ينتعلونها،لأنهم فارغو الفكر تقودهم أيديولوجيات عمياء حاقدة، ولا يدرون أنهم سيكونون وأهاليهم وذويهم وقبائلهم وميليشياتهم حطباً ووقوداً للحرب القادمة، وحينها سيلعنهم الأبرياء والوطن والتاريخ.
إن من يحمل السلاح اليوم في وجه الليبيين ليفرض عليهم رأي من يتولون تمويله وتسييره لتنفيذ مخططهم، من الداخل أو الخارج، ليس سوى من نفس طينة القذافي، الذي بعناده وتشبثه بالسلطة، لقي شر موتة على أيدي القوى العظمى التي كان يعتقد في أواخر سنوات نظامه، أنها ستقف إلى جانبه، فلا عجب أن يأتي عليهم الدور وليس آجلاً.
لقد اتسعت رقعة ” الشَرَك” الليبي ليتحول من حرب أهلية بين الإخوة إلى صراع على ليبيا بين روسيا وأمريكا، فروسيا تسعى جاهدة منذ مدة لتجد موطأ قدم لها في الشرق الأوسط (بسوريا) والمتوسط (بليبيا)، فسبقت أمريكا ووجدت غايتها في شخص خليفة حفتر الذي، بعد أن باع نفسه وبلاده سابقاً إلى أمريكا، ها هو يطرحها اليوم سجادة حمراء ليدوس عليها الدب الروسي، وما بقي أمام أمريكا الآن إلا مصارعة الدب الروسي لطرده من ليبيا، ولا أرى أنها ستستعين بالإسلاميين (من إخوان ومن سار على نهجهم) الذين نفضتهم من يدها بعد قتلهم سفيرها، بل وربما صنفتهم كمجموعات إرهابية يلزم محاربتها.
أما العرب فلا يحسون بالخطر الذي بدأ يحرق أطرافهم ويداهم مخادعهم، لأنهم مخدّرون، وصدق من قال متسائلاً: “لا أعرف الحكمة من وجود البنج في مستشفياتنا العربية، فنحن بالأساس شعب مُخدّر!”. يشاهدون ما يجري لإخوانهم ويلتفتون إلى جهة أخرى وكأن الأمر لا يعنيهم البتة، وما هي إلا مسألة وقت وترتيب وسيقضي الحريق على الجميع. وعلى ذكر الجمع والجميع، فجامعة العرب التي تلتئم حالياً لن يفضي اجتماعها إلا عن بيانات تدعو لضبط النفس والتنديد والشجب والاستنكار، وستكرر نفس الكلام وينفض المجتمعون جرياً لاستلام المقابل المادي، شأنها في ذلك شأن مؤتمرات ما تسمى بالقمة العربية، التي قلت فيها:
” قمم حكام العالم تعانق السماء…
تناطح السحاب..
وقمم العرب،مهما تعالت…
تداس بالنعال…
تتمرغ بالتراب”..

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :