- عمر عبدالدائم
اتسمت التجربة الحزبية في ليبيا بالارتباك بشكل عام وكانت مسيرتها في الأغلب غير سعيدة ، فبعد أن شهدت البلاد ظهور مجموعة من الأحزاب (وإن كانت في أغلبها مستوردة من الخارج) كالبعثيين والشيوعيين والقوميين العرب والإخوان المسلمين ، بالاضافة إلى تيّارٍ قادته بعض الشخصيات الوطنية و كان ليبيّاً بامتياز..بعد ذلكولأسباب يُعلَم بعضها ويُجهَل بعضها الآخر قرر الملك ادريس أن يُوقف التجربة الحزبية ، بل و زجّ بعضاً من رموزها في السجن كما سبق و نفى بشير السعداوي وهو شخصيّة حزبية لها وزنها الوطني..وبعد الاطاحة بالحكم الملكي اعتَبر النظامُ الجديد الحزبيةَ جريمة بحكم القانون ، حيث اصدر مجلس قيادة الثورة آنذاك قانون تجريم الحزبية..وبعد سنوات من ذلك صارت الحزبية .. خيانة .. مَن تحزّب خان !!مع أنّني أذكر مقالاً مثيراً للجدل ظهر في الثمانينيات على صدر إحدى الصحف الرسمية للبلاد كان عنوانه (دعوة لتكوين حزب) وكان جليّا أن مقالاً كهذا لا يمكن ان يُكتب أو يُنشر دون علم النظام إن لم يكن هو من كتبه.وفي العموم كانت البلاد تحت حكم تيّار أوحد حتى وإن لم يوسم بمسمى الحزب الواحد.بعد فبراير أطلت بعض الأحزاب برأسها من جديد ، فعاودت ظهورها ، وبرزت من تحت الركام بعض الأسماء لأحزاب يبدو أنها لم تكن قد انتهت فكان حضورها و تنظيمها مُلفتاً واستطاعت بذلك أن تتصدر المشهد السياسي. أما الأحزاب الجديدة فمعظمها كان مجرد “طفرة” كمنظمات المجتمع المدني التي ما لبثت أن تلاشت..اليوم أقول ، وبرغم تفهّمي لتحفّظ معظم الليبيين بل و عدم قبولهم لكلمة “حزب” نتيجة لِما استقر في وعيهم ولا وعيهم من صفات ألصِقت بالأحزاب والعمل الحزبي ، أقول إن ** الحزب هو البديل الحضاري للقبيلة **نعم ، إنّ الحزب الذي يجمع ذوي الرؤى المشتركة ، بغضّ النظر عن مدنهم أو أعراقهم أو قبائلهم ، هو الكفيل بأن يَحِلّ – ايجابياً – محل ما نشهده اليوم من تدخل القبيلة في الشأن السياسي وإعاقتها لبناء الدولة على اسس سليمة. إن العمل الحزبي المنظّم وفق القانون الذي يضمن عدم ارتهان الأحزاب للخارج من خلال ضوابط تمويل الأحزاب ، و كذلك حظر اللجوء للعنف وألا تكون هناك أذرع عسكرية للأحزاب وحظر الانتساب للأحزاب من قبل بعض فئات المجتمع (كالقضاة والعسكريين وغيرهم) و ضرورة أن تكون بعض المناصب السيادية بعيدة عن طائلة الأحزاب (كمنصب رئيس الدولة(مثلاً) و محافظ البنك المركزي ومجلس مفوضية الانتخابات) وكل ما في حكم هذه الضوابط كفيلة بأن تجعل من التنافس الحزبي عملاً مشروعاً يرتقي بالعمل السياسي ويُسرّع في اقامة دولة المؤسسات المنشودة.ومما لا شك فيه أنّ التشكيلات الحزبية تذوب فيها التعصبات الجهوية والقبلية والعرقية بحكم التكوين الفكري للحزب . كما أن الأحزاب ، بما تتسم به من تنظيم، تُشكّل أداةً أكثر فاعلية من العمل الفردي في برامج الحكومات التي تَعِد بتنفيذها خلال الانتخابات.وبالطبع كل ما سبق ذكره لا يعني بالضرورة أن ينتسب جميع افراد الشعب للأحزاب ، فكثيرٌ من المواطنين يفضلون البقاء خارج دوائر الأحزاب.. وهؤلاء عادةً ما يُرجّحون بأصواتهم كفّة أحد الفرقاء في اللعبة الديمقراطية.وللرافضين فكرة الأحزاب من أساسها أقول ؛ أليس المشهد الذي نراه اليوم هو مشهدٌ حزبّي فوضويّ شئنا ذلك أم أبينا؟!والفرق الوحيد أن “الأحزاب” التي تتنافس وتتصارع اليوم لا تسميّ نفسها أحزاباً كما لا يوجد قانون ينظم عملها وتعاقب على مخالفته..فلماذا إذن والحال هكذا لا نسمي الأشياء بمسمياتها فيكون الذين في المشهد اليوم هم ؛ حزب “عقيلة” ومن معه وحزب الإخوان المسلمين وحزب الخضر (السبتمبريين) و حزب الليبية المقاتلة وحزب السلفيين والفيدراليين وغيرهم من المجموعات التي تجمعها أفكارٌ معينة بغضّ النظر عن تموضعها من حيث اليمين واليسار..إن العمل بوضوح وفي الضوء خيرٌ ألف مرة للبلاد من العمل في الظلام ومن تحت الطاولة.أخيراً أقول إن هذا رأيٌ خاص غير ملزِم لأحد .. وأرجو أن يكون التعليق -لمن أراد أن يعلق – بما لا يخرج عن اللياقة والأدب ولا يتعرض لأحدٍ بالتجريح أو الإساءة.