الحضور المصري ما بين حالة الفرّعنة وطغيان النيل

الحضور المصري ما بين حالة الفرّعنة وطغيان النيل

البانوسي بن عثمان :: ليبيا

  سأقول من البداية وعلى نحو مباشر . بان الذى يدفع البعض في هذا الفضاء الجغرافى . نحو الكتابة عن (مصر) . هو ما رسخ في الاذهان . بان مصر هى قاطرة هذه المنطقة . التى يتحدث لسانها العربية . فان تحركت (ام الدنيا) . جرّت الى الحركة . باقي مقطورات هذه الفسيفساء . التى تغطى برقعتها الجغرافية . فضاء شرق المتوسط وجنوبه  .

      قد لا اتفق مع هذا القول . ولكنّه قد رسخ في الاذهان . فصار ثابت من ثوابتها . وهذا وبوجه من الوجوه . له تأثيره الماورائي في مفاعيله على هذه الرقعة , فكما يُقال :-  (الّسِنة الخلّق اقلام الباري) . فلا يجب الاستهانة بتأثير هذا القول . علي كل من صاغه وشكّله المرّجلْ الثقافى للشرق  . فلهذا القول – في تقديرى – بُعد نفسى (سيكولوجي). سيظهر كطاقة للفرملة والتثبيت او للدفع والحركة .

      ومن هنا ومن هذا المدخل . قد تكون المشاركة والمحاولة مع المهتمين  .  في تبيان ما نراه معرقل بأثقاله للقاطرة المصرية . قد يساهم في الدفع بها الى الامام . بجهدها الذاتى  وبما يمّتلكه من كفاءات وقدرات هائلة  . فقد ينعكس فعل حركتها نحو الامام ايجابيا على فضاءها الجغرافى القابع بين براتين التخلف الشبه سرمدى .  

      وهذا في تقديرى . لا يثم الا عن طريق فعلين متلازمين  ومسّتندين على . * ان مصر محّكومة  بنهر النيل . الذى ولايزال – في تقديرى – يتحكم كآلهة في صيرورتها . فهو مَن كان له ودائما ,  دور رئيسى في تشّكيل وصياغة ثقافة وادى النيل  بمفهومها  الواسع . وبقول اخر . لقد كانت مصر ودائما . تعمل وتجتهد  على تكييف ذاتها بما تتوافق مع مسار النهر وبما يرّتضيه مجراه  .  وثانيهما  . * بان مصر كانت ودائما – في تقديري – في مراحل حركتها ونشاطها المضيء تاريخيا . تحتاج الى طاقة دفع . تتولد عن حالة اجتماعية . لا تنتجها سوى مصر عن باقي الامم الاخرى . وهى ما استطيع القول عنه  بحالة الفرّعنة . وهنا يجب القول . بانه – في تقديرى – لا وجود للفراعنة . بل لحالة فرّعنة  . وهى حالة لا ينتجها فى تقديرى . في ما بين الامم سوى المصريين  . فهم من  ينتجها ويحتضنها ويتعايش معها . حتى تتراجع هذه الحالة وتخمد . فتخمد مصر معها الى حالة السكون و اللاحركة .  

    كنت احاول الوصول بالقول . بان انتقال مصر من حالة السكون الى الحركة الدائمة . لا يثم  – في تقديرى – الا بذهابها نحو معالجة هذين الامرين . * علاقتها التقليدية بنهر النيل . ** وبحالة الفرّعنة التى تنتابها وتعّتملها عند لحظاتها التاريخية المُضيئة .

    *  فمعالجة علاقتها التقليدية بالنهر . ستثم في تقديرى . بالعمل والاجتهاد على السعى بمصر . نحو التحرر من قبضة نهر النيل . حتى يصبح السائد عن النهر , واقعا وقولا . عند تناوله والحديث عنه . وعن مصر . بان يظهر النيل عند تناوله سوى كان تصريحا او تلميحا . بانه ليس غير نيل مصر . وليس العكس في مصر النيل  .  عندها وبتحقق هذا على ارض الواقع . ستتموّضع  مصر وتظهر في وجهها الاجتماعى . كأداة فاعله ورئيسية في صياغة وتشكيل وبلورة ثقافة وادى النيل . وليس كما السائد . بان النهر هو من يخط ويتولى كل ذلك , مند الازل الا في ما نذر .   .

      وليس هذا بالغريب على مصر . بل لقد حدث معها هذا . مع بداية خمسينات القرن الماضى  . عندما ذهبت مصر في اتجاه ترويض ولجم حركة اندفاع النهر . بإقامة سد على مجراه . وجعلت من السد  أداة فعّالة  وجيدة . كلِجام لترويض وتدجين النهر . ومن ثم توظيفه في توليد الطاقة . لإنارة المدن والقرى . ولزيادة منسوب المياه الجوفية . في فضاء الواحات البعيد عن ضفافه . جاء كل هذا , مُكملا لكسر شوكة تفحّش الاقطاع . واستطاعت  مصر حينها . وتمكنت بجهدها الذاتى من التفلّتْ والتملص والخروج على قبضة نهر النيل . وبتحررها هذا .  تمكنت من صياغة ثقافة جديد للنهر  . باحتوائه وريادته وارتياده بأدوات العصر    .   

    كنت احول الوصول بالقول . بان احد السبل  لتحرّر مصر من قبضة نهر النيل  . تاتى مع ذهابها  بالنهر نحو (ألاتمته) . وكسر النيل في نهجه التقليدي . الذى اختطه مند الازل . من خلال تطّويعه وتدّجينه  بأفكار العصر وادوات العلم الحديث .

     **  اما في ما قلنا عنه . بحالة الفرّعنة .  والتى كانت ودائما مُحمّلة بطاقة عالية . مُخلخلة للسكون والجمود . ومفعّلة ومحفزة للحركة والحراك . كما جاء عبر ماضيها . على يد  خوفو  مع الاهرام . ومحمد على مع جيوشه في الشام وعلى ابواب اسطنبول . والخديوي – دولسبس مع قناة السويس . وعبد الناصر مع السد العالى . فمن المهم استدعاء حالة الفرّعنة .  وتوّطينها وعلى نحو دائم . داخل الفضاء الاجتماعى المصرى . وذلك بالاجتهاد والعمل على الانزياح بها . وعلى يد  نُخب مصر من حالتها الفردانية . الى الاطار المؤسساتي التشريعي البرلماني  . لتتلبّسه في مفرداته . وتستوّطنه في كوادره . وتتجلّى في مخرجاته التشريعية القانونية  . لتكون لهذه التشريعات ,  رهبت الفرعون وسطّوت قُدسّيته . ومن خلال هذا التطور في حالة الفرّعنة .  تصل مصر – في تقديرى – الى تجّدر حالة الفرّعنة هذه . وترسخ حضورها الدائم والمستمر . داخل الفضاء الاجتماعى للنهر .

        كنت احاول الوصول بالقول . عبر كل التناول الفائت . اذا لم تستطع مصر من التفلّت والتملص من سطّوة  قبضة نهر النيل . بالاشتغال على إنزاله من مرتبة الآلة . التى كانت تُقدم لها القرابين في الماضى لإرضائها . وفى ما بعد . صار الانصياع ضرورة .  لكل ما يخطه النهر . من مسارب وسبل  كطُرق تقليدية للتفاعل والتعاطى مع الحياة . والاداة الوحيدة  – فى تقديرى – للوصول لذلك  . توسّل العصر في ما ينتجه من وسائل وافكار وعلوم . سوى في المجال الطبيعى او الانسانى   .  . وتعمل ايضا وتجتهد في الوجه الاخر . على اعادة صياغة حالة الفرّعنة المصرية . بالعمل على الانزياح بها من الفردانية . الى المؤسساتية التشريعية البرلمانية  . ستضل مصر – في تقديرى –  في انكفاء دائم على ذاتها . بعيدة عن العصر وما يجّترحه من اضافات تدفع بالحياة نحو الامام  .                                                    

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :