شكري السنكي
انتقل إِلى رحمة الله تعالى السفير والوزير السابق علي محمّد محمّد عمّيش عن عمر يناهز السابعة والثمانين عاماً. تُوفي بطرابلس، مساء يوم السبت 24 رمضان 1444 هجري الموافق 15أبريل 2023م، لتفقد بنغازي وجهاً من وجوهها البارزة، وتفقد ليبَيا واحداً من أبنائها المتميزين في المجال الثقافي والسياسي والدبلوماسي.
ولد عمّيش في 1 مايو 1935م في بنغازي لعائلة كريمة من عائلات بنغازي المعروفة، وترعرع في منطقة «سوق الحشيش» أشهر أحياء مدينة بنغازي السكنية في الخمسينات والستينات، المنطقة التي خرجت منها شّخصيّات بارزة لعبت دوراً مهماً في حياة الِلّيبيّين وتركت أثراً ووضعت بصماتها على جبين مدينة بنغازى، منهم على سبيل المثال لا الحصر: رجب النّيهوم النقابي الكبير ورئيس نقابة العمال في الستينات، وابنه الصادق النيهوم أحد كبّار الكتّاب الِلّيبيّين والأديب المعروف.. أحمد الرويعي الصحفى الرياضي المخضرم وأشهر كتّاب الرياضة في الصحافة الِلّيبيّة في الخمسينات والستينات.. النقابي والسياسي والمثقف المخضرم طالب الرويعي.. الكاتب والباحث التاريخي محمّد عبدالرازق مناع.. الأديب الصحفي يوسف الدلنس.. الكاتب والأديب المعروف خليفة الفاخرى صاحب الإصدارات التي لاقت رواجاً كبيراً: «موسم الحكايات»، «بيع الريح للمراكب»، «غربة النهر».
درّس علي عمّيش جميع مراحله الدراسية الأولى في بنغازي، وانتقل إِلى القاهرة في المرحلة الجامعية، وتحصل في العام 1954م على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة القاهرة.
كان قارئاً نهماً ومثقفاً واسع الاطلاع.. ومحسوباً على «التيار القومي» إبّان عهد الملك إدريس السّنُوسي – طيّب الله ثراه. وقبل ذلك، كان محسوباً على شباب «جمعية عمر المختار» هو وصديقه مفتاح السيد الشريف الأديب والناقد والمؤرخ المعروف، الجمعية التي لعبت دوراً اجتماعياً بارزاً ونشاطاً ثقافياً مؤثراً، بالإضافة إلى دورها السّياسي في فترة الصراع من أجل استقلال ليبَيا، ودورها الآخر في تنظيم التطوع لمساندة فلسطين. كذلك دورها الرياضي، حيث أسس الأعضاء الذين أسسوا الجمعية، وقبل تأسيس الجمعية، نادياً أطلق عليه اسم «نادي الكشاف» في العام 1938م، ثم تغير الاسم إِلى «نادي جمعية عمر المختار»، وفي العام 1947م تغير الاسم إِلى «النادي الأهلي الرياضي» باقتراح قدمه مصطفى بن عامر الذي تولّى رئاسة الجمعية منذ تأسيسها في العام 1943م وإِلى تاريخ حلها فى يوليو 1951م قبيل اعلان الاستقلال بخمسة اْشهر. وبناءً على هذه الخلفية، كان علي عمّيش أهلاوياً ويعشق الأهلي ويشجعه منذ تأسسه في بنغازي في العام 1947م.
بعد انقلاب الأوَّل من سبتمبر في سنة 1969م، تمَّ تعيينه وزيراً للاقتصاد، وكانت الوزارة في عهده تضم إليها المالية والتخطيط. وبعد عمله وزيراً، تقلد عدة وظائف دبلوماسية أهمها: سفير ليبَيا لدى سويسرا.. سفير ليبَيا لدى جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية.. سفير ليبَيا لدى أديس أبابا عاصمة اثيوبيا، وقد بقى في منصبه أكثر من سبع سنوات.
وفي الثمانينات، عمل في جامعة الدول العربية، إبّان تولّي الشاذلي القليبي منصب أمين جامعة الدول العربية، ووقتما كان مقر الجامعة بتونس وليس القاهرة، بعد تجميد عضوية مصر بالجامعة عقب توقيعها لاتفاقية سلام مع إسرائيل. عينه القليبي مديراً لإدارة قسم الاقتصاد بجامعة الدول العربية، وبترشيح من صديقه عبدالعزيز بوتفليقة وقتما كان مستشاراً لرئيس الجزائر الشاذلي بن جديد، وقبل أن يصبح رئيساً للجزائر والتي حكمها من 27 أبريل 1999م إِلى 2 أبريل 2019م.
استمر عمّيش في نفس منصبه بعد عودة الجامعة إِلى مقرها بالقاهرة في مارس 1990م، ولعدة سنوات.
تقاعد من عمله الوزاري والدبلوماسي في العام 1996م، وتفرغ لعمله الخاص لبعض السنوات. تدهورت صِحَّتُه في الآونة الأخيرة وفارق الحياة في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان، وفي مساء الرابع والعشرين من الشهر الفضيل.
التعازي القلبية الحارة والمواساة الصادقة لعائلة الفقيد العزيز ولجميع آل عمّيش الكرام، ولكل مَنْ عرف أو تعرَّف على هذا الرجل الخلوق المعطاء المثقف المتواضع، وللفقيد الغالي الذكر الطيّب دوماً.
رحمـــه الله وغفـــر له وجعـــل الجنّــة داره ومأواه.
إنّا لله وإنا إليـــه راجعــــــــــــون.
شكري محمد السنكي
فجر يوم الأحد 25 رمضان 1444 هجري
الموافق 16 أبريل 2023م