متابعة : منى توكا شها
في الثالث عشر من مارس من كل عام، يحتفل الليبيون باليوم الوطني للزي التقليدي، وهو مناسبة تتجدد فيها قيم التعايش السلمي وقبول التنوع الثقافي.
هذا اليوم لا يعد مجرد احتفال تقليدي بالأزياء، بل هو أيضاً فرصة لتأكيد رسالة السلام التي تبعثها النساء من جميع المكونات العرقية والثقافية في ليبيا، خاصة في مدينة سبها التي شهدت فجوة اجتماعية كبيرة بعد ثورة فبراير.

وقد نظم الصالون الثقافي بمكتبة اليونيسكو في مدينة سبها احتفالية خاصة بهذه المناسبة، التي جمعت نساء من مختلف المناطق والمكونات الثقافية لتبادل الأفكار والاحتفاء بالتراث.
أهمية اليوم الوطني للزي الليبي في تعزيز التعايش السلمي.
تعتبر زهرة موسى، إحدى المشاركات في الفعالية التي أقيمت في مكتبة اليونيسكو، أن اليوم الوطني للزي الليبي ليس فقط احتفالًا بالهوية، بل هو مناسبة لإرسال رسالة واضحة حول قدرة النساء على أن يكنّ جسراً للسلام بين مختلف المكونات.
تقول زهرة: “نحتفي اليوم بالأزياء الليبية المختلفة ليس فقط كرمز للهوية، بل كرسالة واضحة بأننا كنساء نستطيع أن نكون جسرًا للسلام والتواصل بين جميع المكونات. النساء هنا من التبو والطوارق والعرب يقدمن إرثهن الثقافي بفخر، مما يعزز ثقافة قبول الآخر واحترام اختلافاته”.
أما فاطمة محمد، الناشطة في مجال التراث الثقافي، فتضيف: “نحن النساء في الجنوب نحمل مسؤولية خاصة في رأب الصدع الاجتماعي الذي حدث على مدى السنوات الماضية.

من خلال عرض أزيائنا التقليدية وتبادلها مع أخواتنا من المكونات الأخرى، نرسل رسالة بأننا قادرات على إعادة بناء الروابط المتضررة من خلال ثقافتنا المشتركة”.
الزي التقليدي كأداة للسلام والمصالحة
تؤكد أسماء أحمد، شابة ترتدي الزي التارقي التقليدي، أن ارتداء الأزياء التراثية هو فعل ثقافي يحمل رسالة سلام: “عندما أرتدي هذا الزي، أشعر بأنني أحمل تاريخًا طويلًا من التعايش
بين الثقافات. مشاركتي في هذه الاحتفالية هي رسالة سلام، دعوة لأن نتعايش ونتقبل اختلافاتنا كقوة تُثري نسيجنا الاجتماعي بد لًا من أن تفرّقنا”.
في ذات السياق، تعبر رحاب عبدالسلام من طرابلس عن أهمية هذا اليوم في تعزيز الوحدة بين الليبيين: “نحن النساء كنا دائمًا عاملات للسلام، وأزياؤنا التقليدية ليست فقط رمزًا للتراث، بل هي أدوات للتواصل مع الأخريات وتعزيز ثقافة الاختلاف. هذه الفعالية هي رسالة بأن المرأة الليبية قادرة على نشر قيم التعايش وقبول الآخر”.
الثقافة الليبية والهوية الوطنية.
وتؤكد حليمة بدر، الباحثة الاجتماعية، أن اليوم الوطني للزي الليبي هو فرصة لتجاوز الخلافات وبناء جسور التواصل بين المكونات الثقافية المختلفة. تقول حليمة: “عندما تجتمع النساء من التبو والطوارق والعرب وغيرهن في مكان واحد، يتبادلن الأزياء والحكايات، يُصبح ذلك فعلًا ثقافيًا وسياسيًا في آن واحد. إنه تأكيد على أن النساء هن الأكثر قدرة

على تحويل الاختلاف إلى أداة للتفاهم والسلام”.
وتختتم حديثها برسالة واضحة: “إذا أردنا أن نحقق السلام الحقيقي في الجنوب، علينا أن نستمع إلى النساء. نحن اللواتي نحمل الإرث الثقافي وننقله للأجيال الجديدة. ثقافتنا لا تعرف الكراهية، بل تحتفي بالتنوع والجمال”.
حضور الأزياء التقليدية في الفعاليات الثقافية.
وفي سياق متصل، تقول هنية محرز، عضو في جمعية بيت الأصيل، إن اليوم الوطني للزي الليبي يحمل أهمية كبيرة لأنه يمثل الرابط بين الماضي والحاضر:

“من لا ماضي له لا حاضر له، لأن الزي يعكس ثقافة الشعب وأصوله وعراقته”. وتضيف أن الأزياء الشعبية في الوقت الحالي أصبحت على وشك الاختفاء، حيث باتت تُرتدى فقط في بعض المناسبات الاجتماعية.
تتحدث خديجة الزعيتري، من قسم العلاقات العامة في الصالون الثقافي، بفخر عن الفراشية الليبية، مؤكدة أن هذا الزي التقليدي يعكس تاريخ ليبيا العريق وثقافتها المتنوعة.
تقول خديجة: “اليوم ليس مجرد احتفال بالأزياء التقليدية، بل هو فرصة للنساء من مختلف المكونات الليبية للالتقاء وتبادل ثقافاتهن. نحن هنا لنثبت أن تنوعنا الثقافي هو ما يجمعنا، وأن الفراشية وغيرها من الأزياء التقليدية تحمل قصص الأمهات والجدات اللواتي ربّين على قيم التعايش والتسامح”.

أثر التقاليد على الهوية الثقافية
صرحت خديجة الزعيتري، من قسم العلاقات العامة بالصالون الثقافي، قائلة: “الفراشية الليبية هي لباس تقليدي نسائي أصيل يمتد جذوره في عمق التاريخ الليبي، وتُعتبر رمزًا للاحتشام والهوية الثقافية للمرأة الليبية. تتكون الفراشية من قطعة قماش كبيرة، غالبًا من الحرير الأبيض، تُلف حول الجسم بالكامل عند الخروج من المنزل، مع ترك فتحة صغيرة لرؤية الطريق.”
وأضافت: “تُعتبر الفراشية جزءًا من التراث الليبي العريق، وقد ارتبطت عبر التاريخ بالاحتشام والحياء، وهو ما كان يعد سمة مميزة للمرأة الليبية. وعلى الرغم من أن هذا الزي لم يرتبط بالشعوب القديمة مثل الكنعانيين أو الرومان أو حتى العرب أو الأتراك، إلا أنه يُعتبر زيًا ليبيًا أصيلًا يعكس خصوصية ثقافتنا.”
وأوضحت: “أما بالنسبة لأنواع الفراشية، فنجد أن الفراشية البيضاء تُلبس في الطلعات اليومية، بينما الفراشية الصفراء أو السكرية تكون خاصة بالعرائس وتُرتدى في المناسبات الخاصة وحفلات الزفاف.”
وتابعت: “من أبرز مميزات الفراشية هو ما يُعرف بـ”التبمبيك”، حيث تقوم المرأة بتغطية وجهها كاملاً بالفراشية، وتترك فتحة صغيرة جدًا فقط لرؤية الطريق.

هذا الزي، الذي يُعرف في بعض المناطق بـ”المتبمبكة”، يشكل جزءًا من هوية المرأة الليبية التقليدية.”
وأشارت: “ومع مرور الزمن، ومع تغير الأذواق والأزياء، بدأت الفراشية في التراجع في بعض المناطق، حيث أصبحت تُستبدل بالجلباب أو العباءة. ومع ذلك، لا تزال الفراشية تحتفظ بمكانتها في بعض المدن والقرى الليبية، خصوصًا في المناسبات الثقافية والوطنية التي تُبرز فخرنا وهويتنا الثقافية.”
واختتمت قائلة: “إن الفراشية الليبية ليست مجرد زي تقليدي، بل هي رمز أصيل يعكس تاريخنا وتراثنا الغني وتقاليدنا المتجذرة في المجتمع الليبي.”
أما الإعلامية والناشطة في الجانب التراثي منى محمد وردقو فتُبرز أهمية زي “الأبيي” التباوي وهذا اليوم.
قائلة: “اليوم الوطني للزي الليبي هو بمثابة تجسيد للهوية والانتماء لبلدنا. هو دليل على اعتزازنا بإرث أجدادنا وتاريخنا العريق الذي يمتد لقرون. وتعد “الملحفة الأبي” من أبرز الأزياء التقليدية التي تميز المرأة التباوية وتُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الثقافة التباوية، التي تجمع بين الجمال والأصالة.”

وتابعت: “تعتبر “الملحفة الأبي” من القطع الأساسية في زي المرأة التباوية، وهي ليست مجرد لباس تقليدي، بل تمثل مقياسًا للذوق الجمالي في المجتمع التباوي. فهي قطعة قماش طويلة، يبلغ طولها حوالي أربعة أمتار، وتلفها المرأة حول جسمها بالكامل بطريقة مميزة. هذه الملحفة ليست فقط ساترًا للجسد، بل أصبحت رمزًا للأنوثة والكرامة والفخر، كما تُعتبر موضع تنافس بين النساء في إظهار أعلى مستويات الجمال والأناقة.”
وأشارت إلى أن: “الملحفة تظل جزءًا من التراث الثقافي التباوي، حتى مع تقدم الزمن والتحولات في الحياة الاجتماعية. ورغم التغيرات التي شهدها عالم الأزياء، لا تزال المرأة التباوية تتمسك بارتداء الملحفة في كل المناسبات الاجتماعية، وذلك لأن هذه القطعة تمثل جزءًا هامًا من هوية المرأة التباوية على مر العصور. فهي تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا من التقاليد والقصص، وتُعبّر عن فخر المرأة التباوية بتقاليدها الخاصة.”
وأضافت: “على الرغم من التحديات التي قد تواجه التراث الشعبي في ظل الانفتاح الثقافي وتطور الموضة، تظل الملحفة الأبي رمزًا للثبات والهوية. وهي لا تقتصر فقط على كونها زيًا تقليديًا، بل هي جزء من الفلكلور الذي يعكس الثقافة التباوية بكل أبعادها الاجتماعية والروحية. إن ارتداء هذا الزي في المناسبات الاجتماعية يجعل المرأة التباوية تشعر بأنها على اتصال مباشر مع تاريخها، وتمثل حلقة وصل بين الماضي والحاضر”.
واختتمت قائلة: “الملحفة الأبي تظل شاهدًا حيًا على تميز ثقافة المرأة التباوية، ونحن كليبيين نفتخر بهذا الإرث الثقافي الذي يستحق أن يُحفظ وأن يُنقل للأجيال القادمة.”

الأزياء التارقية وأثرها في الوحدة الوطنية.
وتتحدث منية بن أحمد عن زيها التارقي بفخر، مشيرة إلى أنه يعكس الأصالة والجمال في ليبيا: “الزي التارقي يشتمل على قطع عديدة مثل الطاري والمخمودي، ويُعد من أبرز الملابس التقليدية التي تلبسها النساء في مختلف المناسبات”. وتوضح أنه على الرغم من التطور الذي شهدته الأزياء الحديثة، فإن المرأة التارقية ما تزال تتمسك بهذا الزي الذي يمثل جزءًا من هويتها الثقافية.
تصريحات متنوعة حول الزي الليبي.
ويذكر أحمد التواتي، الإعلامي والناشط الثقافي، أهمية اليوم الوطني للزي الليبي في عرض هوية الشعب الليبي وثقافاته المتنوعة. يقول أحمد: “الزي التارقي هو جزء لا يتجزأ من التراث الليبي، فهو يمثل الأصالة والتاريخ الغني”. يشرح التواتي أن هذا الزي يتألف من عدة قطع، ويتميز بتنوعه باختلاف المناسبات، بما في ذلك الأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى.
التنوع الثقافي في سبها ودوره في تعزيز السلم الاجتماعي.
يختتم الحاج أحمد، أحد المشاركين في المهرجان، حديثه مؤكدًا أن اليوم الوطني للزي الليبي هو مناسبة للتأكيد على الهوية الثقافية وضرورة الحفاظ عليها. يقول أحمد: “تنوع السكان في سبها من العرب والطوارق والتبو جعل هذا اليوم زاخرًا بالألوان، ويجب على الأجيال القادمة أن تحافظ على هذا التراث الغني والمتنوع”.
أما إبراهيم الغناي، مدير شركة السعفة للصناعات التقليدية، فيرى أن الزيّ التقليدي الليبي يمثل أحد الركائز الأساسية للهوية الليبية: “الزي التقليدي يعكس تاريخ الشعب الليبي وجذوره العميقة، كما أنه يُعتبر جزءًا من فسيفساء التنوع الثقافي في الجنوب الليبي”.
في الختام، يمثل اليوم الوطني للزي الليبي مناسبة هامة للاحتفاء بالتنوع الثقافي والتراث الغني الذي يميز المجتمع الليبي. الأزياء التقليدية ليست فقط رمزًا للجمال، بل هي أيضًا أداة قوية للسلام الاجتماعي وتعزيز الوحدة بين المكونات العرقية المختلفة. من خلال هذه الاحتفالات، تواصل المرأة الليبية دورها الحيوي في نشر قيم التعايش وقبول الآخر، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر تلاحمًا وسلامًا.