- سلمى مسعود
حلم يولد وسط المعركة
منذ فجر التاريخ، كان الشباب هم الشعلة التي تضيء دروب الأمم، لكنهم في زماننا هذا يجدون أنفسهم وسط بحر هائج لا تهدأ أمواجه. طموحاتهم أكبر من سماء أوطانهم، وأحلامهم تتخطى حدود العادات والأعراف والتصورات البالية، إلا أن الطريق أمامهم ليس معبدًا بالورود كما يظن البعض. فكل حلم يولد في قلب شاب أو شابة، يخرج إلى الوجود كصرخة حياة جديدة، لكنه يواجه منذ اللحظة الأولى معركة بقاء شرسة. فهناك من يخبرهم أن أحلامهم أكبر من قدرهم، وهناك من يضع أمامهم قوانين غير مكتوبة تسجن عقولهم وتحبس أصواتهم، وهناك من يطالبهم بالخضوع لإرث ثقيل من عاداتٍ لم يختاروها، عادات ربما صنعت يومًا روابط اجتماعية متماسكة لكنها تحولت مع الزمن إلى جدران عالية تحجب عنهم ضوء الحياة.
بين الحلم والواقع مسافات من خوف
الشباب لا يريدون المستحيل كما يُتهمون أحيانًا، كل ما يريدونه هو أن يعيشوا إنسانيتهم كاملة، أن يختاروا الطريق الذي يناسب مواهبهم، أن يقولوا “لا” لما لا يشبههم، وأن تكون لهم مساحة من الحرية المسؤولة كي ينبت إبداعهم ويثمر. لكن كيف لهم أن ينبتوا في أرض تُروى بالخوف، كيف لهم أن يزهروا تحت شمس مجتمع يضع لهم حدود الطموح بما يتوافق مع تقاليده لا قدراتهم، ويقرر عنهم ماذا يجب أن يكونوا، وكيف يجب أن يفكروا، ومتى يحق لهم أن يحلموا.
العائق الأكبر… ليس الفقر بل الخوف
عندما أتأمل مسيرة الشباب أجد أن التحديات الخارجية من فقر وبطالة وضعف بنية تعليمية وتدريبية، رغم قسوتها، ليست هي العقبة الأكبر. العائق الحقيقي يختبئ في الداخل، في اللاوعي الجمعي الموروث الذي يزرع الخوف في النفس منذ الطفولة، في التربية التي تعلم الصمت أكثر مما تعلم التعبير، في الخوف من النقد والرفض والعزل الاجتماعي. هذا الخوف يصبح مع الزمن سياجًا يطوق القلب والفكر، فيخشى الشاب أن يختلف عن محيطه، ويخشى أن يطرح الأسئلة التي تحرره، ويخشى أن يفتح عينيه على حقيقة أنه يستحق حياة يختارها بذاته لا يُفرض عليه شكلها ولونها.
ثورة فكرية هادئة تنمو في صمت
لا يعني ذلك أن الشباب عاجزون، بل هم اليوم أكثر وعيًا من أي وقت مضى، إنهم يعيشون ثورة فكرية هادئة قد لا ترى آثارها في الشارع بعد، لكنها تتشكل في عمق أرواحهم وفي أسئلتهم اليومية عن معنى الحرية والكرامة. إن مجرد إصرارهم على الحلم في بيئة ترفض الأحلام هو مقاومة حقيقية، ومجرد محاولتهم السير عكس تيار العادات الظالمة هو شجاعة تتطلب قلبًا حرًا وعقلًا واعيًا. فالشباب حين يقررون أن يخلقوا من الضعف قوة ومن القيود سلمًا للصعود، يصبحون هم صناع التغيير وأبطال قصص النهضة.
تمكين الشباب… تحرير الفكر أولًا
لقد حان الوقت ليدرك المجتمع أن الشباب ليسوا مادة خامة يُشكَّلون كيفما يشاءون، بل هم أرواح حرة تحمل رسائل لا يراها أحد سواهم، وأحلامًا هي رسائل الحياة للمستقبل. حان الوقت لأن نؤمن أن تمكين الشباب لا يعني إعطاءهم بعض الحقوق الشكلية بل تحرير عقولهم من إرث الخوف وإزالة العوائق الفكرية والاجتماعية من طريقهم، وإتاحة المجال أمامهم ليبدعوا ويقودوا وينهضوا بمجتمعاتهم. فالتنمية تبدأ من الفكر، والثورة الحقيقية لا تحتاج سلاحًا أو صخبًا بل تحتاج إلى شاب مؤمن بذاته، لا يخشى أن يكون مختلفًا ولا يخشى أن يحلم حتى آخر نفس فيه.
الطموح… حين يصبح حياة
إن الطموح حين يقترن بالإرادة يصبح مقاومة، وحين يقترن بالوعي يصبح تغييرًا، وحين يقترن بالحب يصبح حياة. والشباب هم الحياة بكل تفاصيلها، فلا تخنقوهم بخوفكم ولا تحجبوا عنهم الشمس، فهم لا يريدون سوى أن ينبتوا في الضوء، ويصنعوا غدًا يليق بإنسانيتهم وبالسماء التي تحمل أحلامهم الواسعة.














