محمد الزنتاني
أذهلته أشعار محمد الشلطامي ,
حفظ منها قصائد كاملة , وردّد الكثير منها أمام أصدقاءه , ولم يشغله إلا سؤال واحد , لم يستطع أن يطرحه على أحد ,
* *
وفي أمسية باذخة غمرته جرأة مفاجئة , فطرح سؤاله على الأصدقاء المتسامرين قائلا :
ما حيرني , هو مقدار الألم الذي في قصائد الشلطامي , وحجم المعاناة البادية في تجربة
السجن التي كابدها ببطولة نادرة ،
وفوق كل ذلك ، حجم الأمل الكبير في المستقبل !
. .
أعني , أليس هذا أكثر مما يطاق , على كاهل شخص واحد ؟!
فرد الجالس بجواره قائلا :
لأن مقدار الألم وحجم المعاناة اللتان ذكرتهما والإيمان بمستقبل أفضل , لا يخصان
الشلطامي وحده !
فاعتدل في جلسته , وتساءل باندهاش :
ماذا تعني ؟!
أعني , إنه ألم جيل كامل وأنها معاناة وطن بأسره ، وبالتالي هو الطموح الإنساني المذهل
في ترقّب مستقبل أفضل رغم كل الظروف !
* *
وعندما سمع منّي هذا الكلام ,
أطرق قليلا ,
وشرع يقرأ مقاطعا من بعض قصائد محمد الشلطامي بصوت مسموع ، وبدموع تنسكب على الخدين بغزارة !
وبقينا جميعا نصغي بانتباه !
* *
(*)
لماذا يطاردني ،
وجهك الغائب الآن عبر المرايا ،
ويهتف بي صمتك المرّ ،
علمني ،
كل ما لا يقال ،
وجرّحني عبر ليل العذابات ،
روّعني في جحيم المحال ،
وطوّح بي في الظلام المكعّب ،
عبر الليالي التي صلبتني ،
على كل حال !
(*)
عندما يحلم ثائر ،
تورق الأشجار في أقسى جبل !
(*)
إن يكن يعتم في القبو الظلام ،
وتموج الريح في الأفق ،
وينهار المدى ،
تحت أقدامك في الليل ،
وتبدوا شرفات الليل ،
كالقار ،
ويشتد على قلبك ،
وقع العاصفة ،
وانطفت أضواء هذا الكون في العين ،
وذابت في هباء العاصفة ،
وبدا الكون كأن لم يعرفك ،
وغدت تنكرك الأعين من رهبتها ،
وسرى أسمك كالتهمة في كل مكان ،
وبدا حارسك الأبله موتوراً غبيا ،
فابتسم للأعين البله ،
فقد صرت نبيّا !
(*)
إن بدا في الليل ،
ظل الحارس الأبله كالطود
وعض لحم زنديك القيود ،
وحصى الحارس أنفاسك في السجن ،
وروى دمك الدافئ أقدام الجنود ،
وتعرّت بين أضلاعك آلام الجراح ،
فابتسم للجرح ،
وامض ،
ضاحك العينين والروح ،
فهذا ،
من تباشير الصباح !
(*)
إن بدا حملك ،
تنهد الجبال ،
من رؤى وطأته الكبرى ،
وفاضت في سكون الليل عيناك ،
بأشياء الحزن ،
ثم لم يسمعك الكون الذي نام ،
ولم يسند رأسك ،
وانطفى البارق في العتمة ،
ورنت في المدى الموحش ،
آهات الشجن ،
فابتسم للحزن في الليل ،
فقد صرت وطن !
(*)
عذابك ،
قبل بدأ الموت يقتلني ،
أنا ،
من أجل أن تنبض عينيك ،
في جبين الشمس ،
أقتل دونما رحمة !
(*)
من ذا يحطّم قفل المدينة ،
يرى وجه قاتله الميّت الحي ،
خلف القناع ،
وخلف وجوم العيون الحزينة !
(*)
إنها الروعة ،
أن تركض نحو الموت ،
مرفوع الجبين ،
ولتجيء من بعدنا شمس الربيع ،
وليغني كل أطفال البشر ،
إنما نقتل من أجل الصباح !
(*)
يُقفل المحضر ولنمضي إذاً ،
ربما كان القتيل ،
شعباً ،
أو . . وطن !
(*)
أغلقوا الكوّة ،
أو سدّوا الثقوب في جدار السجن ،
بالخرقة ،
أو حلّوا عقال كل ليلٍ همجي ،
كيف يخفون شعاع الشمس ،
إن كان معي !
(*)
كل قلبٍ شمسه فيه ،
وحتى أن يكن عصبوا عيني ،
من يعصب قلبي !
(*)
لا تبكوا ليلة إعدامي ،
فاليتم رقيقٌ وجميل ،
والموت ،
لأجل صباحٍ أفضل ،
في ساحات العشق ،
نبيل !
(*)
سأبدر عنكم بعض الوحشة ،
فالليل رهيبٌ ،
وطويل !
(*)
لست مهتمّاً بما يحدث في ظلمة القبر ،
ولكن كل همّي ،
ما الذي يحدث فوق الأرض ،
بعدي !
(*)
الآن مثلي ،
أنت ذا ،
في الرعب تنتظر الصليب ،
وتعيد نفسك كلما عتم المغيب ،
صدى اسطوانة ،
قد خنت ،
آه ،
لعلّ أبشع ما يكون هو الخيانة !
(*)
الآن مثلي ،
أنت ذا ،
في الرعب تنتظر الصليب ،
تصحو على وهمٍ ،
بأن يداً تدسُ لك الفناء ،
وبأن حصنك بالرفاق يموج يزحم ،
والخلاصة ،
بالفجر تنسف رأسك الهمجي ،
رصاصة !
(*)
وطني ،
يا وطني ،
يا صليبي ،
قبل أن أخلق حرف في قصيدة ،
بيننا ،
ظلّت قوافيك العنيدة ،
والشعارات البعيدة ،
وأنا أركض خلف الفجر ،
من سجن لسجن ،
لأرى عينيك في كل شفق ،
مرةً أهرب من وجهي ،
وألفاً أحترق !
(*)
الباب يغلق ، والصباح آتٍ ،
أحس به ،
كأن يداً تحطّم في الظلام سور المحال ،
كأن ضحك الدهر ينذر بالبكاء ،
فأرى صليبك صولجانك ،
وانتهاءك مبتداك ،
وأراك ،
غصنٌ في حقول الموت ،
ما زرعت يداك !
(*)
وتمنّيت كثيراً ،
عندما دفّأت في قلبي يديك ،
لو تصير الكلمة ،
دمعةً ،
في غمرة الشوق إليك !
(*)
وطني ،
يا رجفت الموال في ليل القرى ،
يا حبيبي الأسود العينين ،
لو أن الثرى ،
أحرفاً ،
كنت القصيدة !
(*)
قل ما تريد ،
لكنّما أنا لن أموت ،
أبداً ،
لتركب جثتي للنور ،
لا ،
أنا لن أموت !
(*)
أيحمل ظامئٌ دمه ،
وما عاد انتحاب الجرح ،
في الأضلاع ،
يكتمه !
(*)
سؤالٌ ، شعّ في عينيه ،
سؤال ، مات في شفتيه ،
ويرسم في فجاج الليل من أحزانه
صوره ،
ستنسف حزنك ،
الثورة !
(*)
من ذا يحطّم باب غربتنا ،
في الليل يسقي ذلها العاري ،
يا مومساً ،
مدّت لكل فمٍ شفةً ،
تفجّر جوعها الضاري !
(*)
مشرقٌ كالشمس ،
وجه الكلمة ،
فلماذا صادروها ،
لتغني ،
تحت أقدام الخليفة وبأسماء الخليفة ،
ولماذا صادروها ،
حينما غنّت لموت القبّرة وعري الشجرة ،
ولماذا قاوموني ،
حينما أشرعت بابي للرياح ! محمد الزنتاني