إطلالة حول  كتاب (أمهات مؤمنات) للشاعرة شريفة السيد

إطلالة حول  كتاب (أمهات مؤمنات) للشاعرة شريفة السيد

د. البراء صفوان الاستاذ

بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر _مصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعد الأخلاق في أية أمة صمام أمانها الذي تستمد منه البناء، وحائط صدِّها الذي ترتكن إليه إن داهمها خطر الأعداء، ولله در شوقي القائل: فإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا فالأدب المؤسَّسُ على الأخلاق ركيزة في بناء الأمم؛ والأدباء قادرون على تشكيل الوجدان الجمعي للمجتمع، فلكلماتهم وقعُها وأثرُها في البناء،

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ من البيانِ سحرًا، وإنَّ من الشِّعرِ حِكمةً”، فهذا حكم نقدي للنبي – صلى الله عليه وسلم – يعلي شأن الأدب المبني على القيم والأخلاق. وأجلُّ مقام للأخلاق -وكلها جليلة- هو مقام الغرس لدى الناشئة؛ إذ ينبني وجدانهم صغارا فيمتلئ عطاء وقوة في شبابهم ويفيض حنانا واحتواء وحكمة في شيخوختهم.

وهذه الإطلالة حول (أمهات مؤمنات) عند المبدعة الشاعرة/ شريفة السيد تنطلق من مقياس نقدي قوامه الأدب المؤسس على القيم. وقد اختصت الشاعرة فئة الناشئة؛ لتسهم في بناء وجدانهم الجمعي ومن ثم المجتمع بأثره، وانطلقت في رؤاها الإبداعية من نماذج نسائية عبر التاريخ، والعامل المشترك بينهن رابط الأخلاق المتمثل في (الإيمان بالله تعالى) وما يترتب عليه من: صبر وصدق، إخلاص وإحسان، اهتداء وافتداء، واحتمال واطمئنان، فعبر هذه الثنائيات وتحمُّل أضدادها تكتمل حلقة الإيمان المنشود الذي أرادت الشاعرة غرس أركانه في وجدان الناشئة والناشئات.

اختارت الشاعرة شخصياتها مُسَلِّطة الضوء على جانب في كل منها، فاختارت السيدة أم موسى -عليه السلام- في موقف إيمانها حين ألقته في اليم، والسيدة مريم العذراء في موقف إنجاب سيدنا عيسى -عليه السلام- من دون زوج، وما تحملته من أذى وكيف كان إيمانها راسخا وسط هذه الأمواج العاتية التي لا يتحمل أدناها أشد الرجال!، والسيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل -عليه السلام- وثقتها التي لا تتزحزح وهي وحيدة مع رضيعها في صحراء جردا لا زرع بها ولا ماء، ثم ما كان من موقف الذبح ورؤيا نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، ثم تسوق مواقف من حياة زوجة سيدنا أيوب -عليه السلام- ، ومواقف من حياة السيدة آمنة بنت وهب أم النبي -صلى الله عليه وسلم-، والسيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما. بثَّت شاعرتنا هذا البناء القيمي عبر مزيج من الفصحى والعامية؛ ليصل صوتها لكل أحد وبالطريقة الأقرب تأثيرا لديه، فكان لها ما أرادت عبر تعدد الأصوات التي تجسد في النهاية قيمة الإيمان والثقة في الله تعالى. قدمت الشاعرة فكرتها في ضوء (مسرح أوبرالي) يصاحبه كورس مغنين منفردين حينا، وجماعيين حينا آخر، ووظفت الشاعرة دور كل شخصية باقتدار تمثيلا وغناء وتصويرا مشهديًّا.

وأنا على يقين من إعجاب واستحسان القارئ لهذا النص الممتع، فكرة وصياغة لاسيما ما تقدمه شريفة السيد من الأدب والفكر والثقافة؛ بهدف تعليم وتثقيف الأبناء مع المتعة والترفيه المفيد للشباب، فاقرأوها لهم .. وفي السطور التالية نموذج من الكتاب:

الفصل الثالث

السّيدة ( أمُ مُوسَى ) رَضِيَ الله عَنها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التاريخ :

كَمْ عَلا الفِرعَـــــونُ شــانًا.. كانَ جَبَّـــارًا شَقيـَّــا

آثرَ الدُنيــــا فأضْحَــى.. ظالِمــــًا وَغْــــدًا بَغِـيـــا

فاسْـــــتَـبَـدَّ بكُلِّ نَـفْــسٍ… بَلْ بَـدَا فظَّـــــًا عَتِـيـَّــا 

 …

خشْيةً مِنْ شأنْ مُوسَـــــى…  زَادَ وِزْرًا فَـــــوْقَ وِزْرِهْ

راحَ يقتلُ كلَّ طِفْــــــــــلٍ.. لائـذًا بِعَظِيـــــمِ عُـــذْرِهْ

بينمَـا الأقدَارُ شـــاءَتْ …أن يُرَبَّـــــى بَيْنَ قَـصْـــرِهْ

***

الراوي :

أمُّ مُوسَـى في خِبـاءٍ … في رِحَـــابِ النيلِ تَحْيَـا

وَالرَّضيـــعُ يَئنُّ حَتَّـى … أُلهِمَتْ صَــــبْرًا وَوَحْيَـا

لا تَخَـــافِي، أرْضِعِـيــه … ألقِــهِ في اليَـمِّ .. هَيَّـــا

                                ..

كانَ وَحْــيُ اللهِ أقوَى … بينمَا تلتَـــاعُ حُـزْنــــــا

أرْضَعَـتْ مُوسَى بِرِفقٍ … هَدْهَــدَتْــــهُ فاطمَـأنــا

قبَّــــلتهُ في جبين ٍ … قبَّــــــلتْ خــــدًا وعيـــنا

***

غناء فردي :

كانَ صَــــــوتُ الحَقِّ يَعلو… يَمْـلأُ الآفاقَ  أمْنـــا

قد أطــاعتْ في ثباتٍ…. يا إلهَ الكَــــــــــــوْنِ مُرْنا

مَــــاءُ هذا اليَـمِّ قـطعًـا … مِنْ جُنودِ القَصْرِأحْنَــــى

بينَ صُنـــدُوقٍ صَغيرٍ…. أوْدَعَتْـــــهُ فاسْـتَـكَــــــــنَّا

يا إلــــــــــــهَ الكَوْنِ مُرنا   

                     يا إلــــــــــــهَ الكَوْنِ مُرْنا

                              ***

الراوي : كـــــانَ الشّيطـــــانُ يُراودُها :

الشيطان :  وَيـحَـــك  … وَيْحَـــكِ يا مَجـنـــونةْ

هلْ تَرمينَ الطفــلَ بيَـمٍّ ؟.  بيــــدَيكِ ؟ يالَلمِسْكينةْ  

  الأسْماكُ إذنْ تأكُلُهُ،، كُوني بالأطفــــــالِ حَـنونةْ

الراوي : .. ….لا تُلقـِــي بالطفلِ … انــتـَظِــــرِي

وإذا جاءَ الجُندُ خُذيهِ… خَلْفَ جِدارِ البَيْتِ اسْـتَـتِـري

حَـظ غَـدٍ سَـوفَ يُحالِـفُنا  وعَلى الجُندِ إذَن تـنتصري

الراوية :

صَمَّــتْ أذنَيْها وتوَلَّتْ … رَمَتِ الصُّـندوقَ بتَحْنانِ

رَبَطتَـهُ بحَبلٍ وتناسَتْ … كُلَّ غُـوَايـــات الشَّيْطـانِ

كانَتْ تُـلقيــــهِ وتَجْذِبُهُ … لمَّا تَشْــــعُـرُ باطْمِئْنــانِ

الشيطان :

يَا قاسِـــيَـةَ القلْبِ هَلُمِّي .. إنقاذُ الطّفْــــلِ يُؤرِّقُـني

يَا أمًّـــــا لا تَرْحَمْ أبَدًا.. وبُكَـــــــاءٌ مِنهُ يُحَــرِّكُـني

سَيَجُـوعُ، سَيَحْتاجُ حَليبًا، صَمْتُـكِ يُرْهِقُنى يُرْهِـقُني

الراوي :

بُصِّرَتْ قلبـــــًا وعَـيـنًا…أسْلمَــــــــــــتْ للهِ أمْرا

كانَ وَحْيُ اللهِ نُـــــورًا…لمْ تَخَــــــفْ لِلـيَمِّ غَـدرا

وارْتَــضَتْ  فِعلاً لربٍ…يَسْقِيَ المَلكومَ صَبـْــــرا

التاريخ :                                                  

                     يا ضِــفافَ النيلِ ضُمِّي ..ذَا حَفـيد الأنبياءْ

خَبِّئيــــهِ مِنْ عَدُوٍ.. وَارْحَمِي ضَعْـفَ النِّـدَاء

كَيْ يُـــرَدَّ لأمِّ مُــوسَى…إنَّهُ  وَعْـــدَ السَّــمَـاءْ

يا ضِفـافَ النيلِ ضُمِّي        

الراوية :

يا ضِفـــــافَ النيلِ كُونِـي … مِثـــــلَ أمٍّ في الحَنانِ

واحْمِليـــــــهِ بكُلِّ حِرْصٍ.. كَيْ يَــــرَى بَـر الأمَانِ

الأمَـــــــــانةُ في يديكِ.. لن تُهَـــــــــان ولن تُعاني

يا ضِفــــــافَ النيلِ ضُمِّي

***

كورال الأطفال:

يا ضِفــــــــــــافًا حَانياتٍ..إنَّهـــــــا أمٌّ تقيـّــة

في أمُومَتِهــــــا انتِصارٌ… للسَّمَـــاواتِ العَليّـة

فاحْفَظِيــهِ وطَمْئِنيهِ…وانْصُــــرِي الأمَّ القويّـة

           يا ضِفـــافَ النيلِ ضُمِّي    

              ذا حَفيـــــدَ الأنبياءْ

***

الراوية :

تابَعَـتْـــهُ الأختُ سِــرًا.. وهِيَ تَمْضِـــــي في ثباتِ

الراواى:

قَـصْـــرُ فِـرْعَون الـتَقاه.. صَاحَ صَوتُ الجَــاريا تِ

الراوية :

وانْحَنَى الصُّندوقُ مَـــارا…بالقُـصــــــــــورِ العَالياتِ

الراواى:  زَوْجَــةُ الفِـرْعَـونِ قالتْ:

زوجة الفرعون :……..  أنتَ يـا زَوْجـِي وحيدِي

دَعْــهُ يَـنـفـعُـنا عَـسَـاهُ…أو  لـيُصــبحَ  لِي وَلِـيـدِي

يا سَمَـاءَ الحَقِّ غَنِّي… زَغْـــرِدِي في يَومِ عِيــــدِي

..

الراوي : كـــمْ أحَبَتهُ كَمَا ابْـــنٍ … !

زوجة الفرعون :…… قُـرَّةُ العَيــــنِ  اتـــرُكُـــوهْ

إنَّــهُ طِـفــلٌ جَمــــــيلٌ… ليسَ لِـــــي طِفلٌ دَعُــــوهْ

جَائعٌ ..؟؟ يا وَيـلَ قَـلبي…أطْعِــمُــوهُ .. أرْضِـــعُوهْ

الراوي :

النِّسَـــاءُ احتَرنَ فيهِ…وَهْوَ يَرْفُـــــضُ كُلَّ حِيلَـــــة ْ

حَاسَّةُ الشَّــــمِّ اسْتَدَلَّــتْ … تَعْــرِفُ الأمَّ البَد يلَــــــة

أنزَلُـــوهُ السُّـــوقَ لمَّـا … أُعْــدَمُوا فيــهِ الوَسِــيلَـــة

الراوية :   

  لَهْفةُ الأُمِّ اسْــتَـزَادَتْ… تَسْـــــــألُ الأُخْتَ الرَّفـيقةْ

شُغْـلُهَا طِفلٌ رَضِيـــعٌ… بَينَ صَـــبْرٍ لـــنْ تَطِيقَــه

كَــــادَ وَجْهُ الأُمِّ يُـوشِـــي…ناطِقــا كُلَّ الحَقِـــيقَــةْ

الراوي :

    قلبُهــا المَفْـتـــونُ يَبْكي… وَالأنِينُ المُضْطَرِمْ

كَالرَّمَادِ يَضُــــمُّ جَمْرا… مُسْـــتَــقِـرًا كالحِـــمَمْ

كُلَّمَــا أخْفَتْ أنِيـــــــــنًا…أشْعَــــــلَ النَّــارَ الألَمْ

بَينَمَــا في السُّـوقِ تَمشــي…سَــاقَتْ الأُخْتُ البِـشارَة:

الراوية :

إنَّ لِي أُمّــا سَـتَــرْضَـى  … وَهْي لِلأطفَــــــا لِ دَارَةْ

الراوي :           

 أحْضِــرُوهَـا فِي ثَــوانٍ… مِنْ هُنـــا قَصْرُ الإِمارَةْ

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :