الشّعر الحلال والشّعر الحرام !

الشّعر الحلال والشّعر الحرام !

حسن بدي كدينو نقركنمة

التبو شعبٌ عريق لديه عادات وتقاليد راسخة رسوخ الصخرة الصماء. في عاداتهم الحلال والحرام أشد صرامة من الحلال والحرام في كل الشرائع، السماوية والوضعية. لكل قبيلة تباوية شيءٌ تحرّمه، منها ما تحرّم لباساً معيناً، ومنها ما تحرّم طعاماً معيناً، وغيرها كثير. وهذه من أقل المحرمات شأناً، عقوبة مخالفة هذه المحرمات ليست بقساوة خرق غيرها من المحرمات التباوية. حسب معتقداتهم الشعبية من يخرق محرمات القبيلة تظهر على جلده بُثورٌ لا تزول إلا بعد حك ابن العمة أو الخال لها!

ونحن نعرف مكانة ابن العمة والخال الذين يشتركان في الاسم عند التبو، إذ يطلقون عليهما معاً اسم «البنّي»، لنستعمل هذا الاسم لوصفهما معاً لعدم وجود مقابل له في العربية. لعظمة مكانة البنّي أو ابن الخال والعمة صيغت في أمثال شعبية عدة، منها: المثل القائل بـ «ابن العمة والخال ليسا كباقي الأقارب، العين ليست كباقي الجسم!» (Binni-ĩ bo gunú ; somma kusar gunú)، لجلال مكانة البنّي يرونه بمكانة العين بالنسبة لباقي أعضاء الجسم. ولثقتهم الكبيرة به يوصون بإطلاعه على أدق الأسرار، إذ يقولون في المثل الشعبي: «حتى لو كانت لديك أدرة أرها لابن عمتك أو خالك» (Ôgugu taũwo mannu, binni numa ha yugudos !). لنعد إلى موضوعنا عن الشعر الحلال والحرام، محرّمات التبو طالت حتى أدبهم، إذ هو مقسم إلى أدب حلال وحرام، أدب يحق لرجال التبو ممارسته وأدب لا يحق لهم ممارسته! فعن الشعر هناك شعر حلال على الرجال وآخر حرامٌ عليهم. التبو يُحرّمون على رجالهم شعر المديح، وهذه الحُرمة ليست كمحرمات القبائل.

من يخرق هذه الحرمة ويشعر مادحاً رجلاً غيره تكون عقوبته النبذ إلى الأبد! لا أحد يغفر له عن خطيئةٍ كهذه. إذاً، للتبو شعر حلال وآخر حرام. الشعر الحلال هو شعر الغزل والفخر والرثاء، ثلاثة أنواع لا رابع لها. أما الشّعر الحرام فهو شعر المديح. التباوي لا يشعر مادحاً أحداً أبداً. يقتصر هذا النوع الأخير من الشّعر، أي شعر المديح، على طائفة الحدّادين التي تُعد من الطوائف التباوية الكبرى التي امتهنت هذه المهنة فنُبذت، وباتت كلمة الحدّاد سُبّة تستوجب عقوبة، وأُفرد لها نص في القانون العرفي التباوي.

هل لهذه الحرمة استثناء؟ قد يستغرب البعض إن أجبنا بنعم، ولكن هذه هي الحقيقة. الاستثناء هنا ليس ناجماً عن الاضطرار كما في الشرائع الأخرى. فمن يشعر مادحاً أحداً يُنبذ ولو فعل ذلك مضطرّاً. الاضطّرار لا يُنجي في هذا المقام.

ولكن الاستثناء هنا المديح في معرض الغزل!

في شعر الغزل يمدح الشاعر أهل محبوبته، أباها وإخوتها! كما نجهل سر تحريم شعر المديح نجهل أيضاً سر السّماح بمدح أهل المحبوبة.

ولكن هذه هي القواعد التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا كابراً عن كابرٍ ولا نعترض عليها. خاصة أن كثيرا من الشعراء من غير التبو يمقتون شعر المديح، منهم من يفاخر بأنه لم يشعر مادحاً أحداً قط رغم عدم حرمته عندهم. شعر المديح الرخيص نفاقٌ ينبغي الترفع عنه، فهو يُفقد الشخص مصداقيته. إذاً، الاستثناء الوحيد لشعر المديح عند التبو هو المديح في معرض الغزل. وفي هذا المقام ينبغي أن نتساءل فيما إذا كانت هذه الحرمة مرتبطة بشخص التباوي أم بلغة الشّعر؟ بمعنى آخر هل بإمكان التباوي أن يشعر مادحاً غيره بلغة غير تباوية، كالعربية مثلاً أم إن فعل ذلك يكون قد خرق المحرمات أيضاً؟ هذا السؤال لا يحتاج إلى كثير العناء للإجابة عليه، الحُرمة في مديح الغير وليست في اللغة المستعملة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :