الصوت والمدى

الصوت والمدى

بقلم :: محمد رضوان 

( 1) 

تكاثرت الإعلانات قبل مبارة الكرة تكاثرت، تكاثرت، تكاثرت…

إعلان عن نارد من الجن يتشكل فى ضباب خارجا من قمقم ليعلن عن زيت طعام تناثرت قطراته المتأججة من الغليان فوق مقلاة مملوءة بالمقانق الساخنة، ضباب ومارد وزيت طعام، جن، وزيت …..

ثم تكاثرت .. تناثرت غفا وهو يشاهد التلفاز، فتح عينيه وكامل حواسه تتأهب ، رأى شيئا ظن ان خياله يهيئ له ما يراه ولكن ما يملأ وعيه هو صوت التلفاز الذى كان يعرض مبارة الكرة، أخذ يتابع مهتما، بعد قليل أدرك أن الفريق الذى يشجعه لا يؤدى المبارة كما يجب. التمريرات مقطوعة،التباطء فى اللحاق بالخصم أو الكرة، أخذ يصرخ فى اللاعبين كى ينشطوا وينطلقوا، ومن ثم يحرزوا هدفا يحقق فرصتهم الكبيرة فى الفوز بالبطولة.

هب ثائرا هائجا وربما لعن هذا اللاعب الذى لم يحاول أن يمد قدمه لكى يقطع بالكرة وهى تمر متهادية أمامه فى طريقها إلى قدم الخصم، ذلك الذى تلبسه عفريت من الجن، ما أن استحوذ عليها رغم قصره الواضح حتى انطلق مارا من كل اللاعبين الذين كانوا يجرون بجواره ودفع الكرة بمكر حتى اسكنها المرمي، صاح صارخا مد قدمك قليلا يابنى آدم أنت لاعب أم ماذا؟ أف ….

شعر بصداع يصعق رأسه فجأة وضغط مؤلم يتنماى باستدارته كما لو كان يجلو جدرانه، أحس بالشئ الغريب الذى يخايله منذ وقت. فى شبه كائن هلامي، ضبابى

شفاف ، كالبخار مسجون داخل جسم يحيط بالتلفاز أو التلفاز هو صدره أو بطنه .. أخذ يحدق قليلا..

صوت معلق المبارة أحسه لا يصدر عن الجهاز ولكن ينبعث من كل زوايا الحجرة، أو من الهواء. الصورة الشيئية تتجسد أمامه حينا، فتتلاشى حينا، والصوت يتضخم، يتجسد … صوت يهمس يحدثه الصوت لا يعلق على المباراة، إنما يحدثه…

ما الذى يضايقك ويدفع الدم فى رأسك، فيصيبك بصداع مؤلم لا داعى له، هه … ما بك، أتريد أن يفوز فريقك … هل تريد؟ …

بهت للحظة، حدق ثانية .. صور التهويمات تتلاعب بخياله، وهالة التلفاز الملونة المشعة بالنور تتراءى له والصوت المجسم ذو الأبعاد يلح عليه أن يطلب شيئا أو يتمناه.

هل تريد أن يفوز فريقك؟

ردد فى داخله متعلثما نعم، نعم . ثم أردف مخرجا صوتا مبحوحا.

نعم أريده أن يفوز ، هذه مباراة مهمة ..

قال الصوت – أذا حدث اللاعبين إن شئت، قال لهم شيئا.

كم أحدثهم؟

وجه حديثك لهم مباشرة.

على صفحة التلفاز صورة أحد لاعبى فريقه بقميصه الأحمر، وهو يعرفه ويعرف اسمه.

نادى … يا كابتن يا كابتن … توقف لاعب يرتدى القميض الأحمر رقم (2) والبادية صورته على الشاشة ينظر لبرهة باحثا عمن يناديه.

يا كابتن … أنا أحد مشجعيكم، وأخشى أن تخسروا هذه المباراة، وتضيع منكم البطولة. أنت مدافع فذ مشهود لك..

حسنا يا أخى سوف نفعل ما فى وسعنا …

لا يكفى. إن الملايين تنظر إليكم، تتمنى فوزكم، وملايين الرؤوس مصدوعة من هذا التخاذل.

حسنا سنفعل ما بالوسع قالها وهو يندفع صوت الكرة مبتعدا. نقلت الكاميرا صورة للاعب أخر من الفريق، كان يسير متهاديا كمن يمشى فى نزهة صاح – يا كابتن .. أتفت اللاعب باحثا عن المنادى فى تراخ واستغراب.

يا كابتن، أن مشجع للفريق، أرجو أن تفعل شيئا أنت لاعب خط وسط مهم فى الفريق، أبذل جهدا أكبر، إن الناس قلوبهم ضعيفة وقد تصيبهم أزمة تؤدى بهم إذا استمر هذا التخاذل.. ثم يا كابتن ألا تمد قدميك قليلا أبذل ما تستطيع من جهد فإن ربحت كان بها وإن لم تربح فقد أديت واجبك وكفى.

ركض اللاعب مبتعدا، وتراكلت الأقدام الكرة فى أنحاء الملعب. همس الصوت – ما رأيك الآن، هل استرحت؟ هز رأسه موافقا. صرخ المعلق فى فرح.. جوووول … وأعلن أن هدفا قد سجل بقدم اللاعب ذى القميص الأحمر، بعد لعبة جماعية شعارها الحماس والفن والقوة.

علت البسمة وجهه وأحس أن سوار الصداع الذى يلف رأسه، قد بدأ يخف ضغطه قليلا … قليلا … انسحب الصوت ذو الأبعاد وتلاشت هلامية الشئ الغريب كأنه يعود إلى قمقمه الكائن فوق التلفاز أو داخله..

يتبع 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :