وفاء دوزان
كتبت هذا المقال دون تحيز، لذا أرجو قراءته بحيادية.

حين كنت طفلة، سألت عمتي: لماذا نحن الطرابلسية لا نملك قبائل؟ كان سؤالًا بسيطًا، لكنه حمل فضولي لفهم معنى الانتماء، كانت إجابتها نافذتي على تاريخ عائلتنا، وحينها أدركت أن العراقة قد تكون في القيم والأفعال، لا في الألقاب، لكنني لم أكف عن البحث والتفكير في هذا الأمر.
لطالما كانت العائلات الطرابلسية جزءًا لا يتجزأ من تاريخ ليبيا العريق، حيث أدت دورًا رياديًا في تشكيل هوية العاصمة طرابلس على مر العصور، وأسهمت في رسم ملامح الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فيها، هذه العائلات ليست مجرد أسماء، بل تحمل معها قصصًا وتقاليد تمتد لعقود طويلة، ممزوجة بالتنوع والتماسك.
وباعتبار طرابلس مدينة متنوعة ثقافيًا واجتماعيًا، فقد تأثرت بتاريخها الطويل الذي شهد تداخلًا بين الثقافات العربية، والأمازيغية، والعثمانية، والإيطالية، وقد انعكس هذا التنوع على العائلات الطرابلسية التي تميزت بقدرتها على المزج بين الحداثة والتقاليد.
شهدت العائلات الطرابلسية فترات من الازدهار والتأثير في مختلف المراحل التاريخية، مما جعل طرابلس القلب النابض لليبيا، فقد اشتهرت هذه العائلات بالتجارة، خاصة في الأسواق التقليدية مثل سوق المشير وسوق الترك، وأدت دورًا رياديًا في مجالات الاستيراد والتصدير والحرف اليدوية، كما أبدعت في الحياة الاجتماعية، حيث كان البيت الطرابلسي مركزًا للالتقاء والتواصل بين الأجيال، سواء في جلسات الشاي التقليدية أو المناسبات الاجتماعية، أما على الصعيد السياسي، فقد كانت المدينة مركزًا لصناعة القرار والمشاركة في بناء مؤسسات الدولة.
ورغم هذا التاريخ العريق، يعاني الحاضر من تغييرات جذرية جعلت هذه العائلات تفقد الكثير من نفوذها وتأثيرها في المشهد السياسي والاجتماعي، أصبحت طرابلس اليوم رمزًا لتحديات أكبر تواجه ليبيا بأكملها، حيث تحولت العائلات الطرابلسية إلى مجرد شهود على التحولات التي تجري في البلاد، دون أن يكون لها دور فعّال في صناعة القرار، يمكن تلخيص هذا الواقع في عبارة “لا نملك من الحكم سوى ركابة ميزران”، التي تعكس إحساسًا بالعجز أمام المشهد السياسي الحالي.
ركابة ميزران، التي كانت يومًا جزءًا من حيوية المدينة، أصبحت رمزًا لحالة الركود التي تعيشها العائلات الطرابلسية اليوم، فهي تشير إلى دور محدود وبسيط، حيث تغيب هذه العائلات عن المواقع المؤثرة التي كانت تشغلها يومًا.
إن العائلات الطرابلسية، التي صنعت تاريخًا من العراقة والتأثير، تجد نفسها اليوم في مواجهة واقع يتطلب منها إعادة النظر في دورها ومكانتها السياسية، وبينما يظل التاريخ شاهدًا على عظمتها، يبقى المستقبل مرهونًا بقدرتها على استعادة هذا الدور، بما يتجاوز حدود “ركابة ميزران”، إلى المشاركة الحقيقية في بناء ليبيا.