.
السفير : محمد العكروت
قرب موعد السفر والرجوع إلى العاصمة ، وكنت أجهز نفسي لذلك عندما وجدت اتصالاً فاتني على الخاص ، فتحته فإذا به من شخصية كريمة أعتز بمعرفتها ورفقتها وزمالتها ، اتصلت فورا بهذه الشخصية الكريمة ، وأنا كنت أظن أنه في طرابلس ، فأخبرني أنه في سبها ، ودعاني لزيارته في بيته العامر . طبعا لا أستطيع أن أفلت وأضيّع مثل هذه الفرصة الرائعة، فذهبت إلى زيارته بعد العصر. هذه الشخصية الكريمة هو الأستاذ الكبير والسفير المخضرم غيث سالم سيف النصر ، زميلي في الوزارة وصديق لي معه جلسات وحكايات لا تحصى ، السيد غيث جال مع الزمن جولاته ، فتقلد مناصب رفيعة منها محافظ سبها ، ومنها سفيرنا في البوسنة وسفيرنا في تشاد لفترة كانت فيها العلاقات بين البلدين في حاجة لشخصية متمرسة في الخبرة. الأستاذ غيث بنكٌ من المعلومات والمعارف لا ينضب ، أستفيد كلما جلست معه ، في التاريخ الاجتماعي للجنوب بكل حيثياته ، وتاريخ السياسة الليبية ومسيرة وزارة الخارجية الليبية. جرّنا الحديث إلى أحداث وحوادث ماضية ومعاصرة ، حكى لي الكثير الغزير المثمر المفيد ، استمعت إليه ، وسجلت ذاكرتي ما أمكنني تسجيله وتخزينه ، ربما إذا سمح الزمن أن أكتب بعضا منه ، رغم أن بعضه لا يمكن البوح به الآن.
ودعته بعد الحديث الممتع وأنا أدعو الله له بالصحة والعافية وأن يستمع له شباب سبها لما فيه من حكمة وتجربة. وأنا أركب السيارة صباح اليوم التالي ، ألقيت نظرة على سبها ، لم تعد سبها التي ارتسمت صورتها في ذاكرتي الطفولية سنة 1965 ولا الشبابية في 1970 ، أصبحت شيئاً آخر ، لم تعد تلك الوادعة الرائقة ، حتى ماءها الذي كان عذباً زلالا فراتا ، أصبح أقرب للملح الأجاج ، ملامح البشر تغيّرت ، أخلاقهم تحوّرت ، نظراتهم تبدّلت ، حتى أكاد أقول زفيرهم وشهيقهم أصبحا أقل حرارة ودفئاً ،، سبها بدل أن تتطور ، تراجعت ، وبدل أن تتقدم تأخرت ، مثالٌ على ذلك ، عندما قدمت إليها في بداية الثانوية ، كان هناك مشروع ضخم لتحلية مياه الصرف الصحي يشرف عليه مهندس فرنسي اسمه دولفو ، سألت عن المشروع ، جاءت الإجابة أنه أثر بعد عين ، فنادقها مدمرة ، مستشفاها متحطم متهالك ، جامعتها تعاني وتقاوم الانهيار ، حدائقها جدباء جافة ، شوارعها مهترئة مدشدشة متآكلة ، مياه المجاري تعيق شوارعها ، حتى مبنى المحافظه الذي كان زهرة سبها ، أسفت على منظره ومظهره وأنا أنظر إليه ،، آخر الكلام ،، يا أبناء الجنوب الذين لا زال لديكم بقية من حبّ للجنوب أو لفزان ، شمروا عن سواعدكم ، أثبتوا ذاتكم ، تحدوا من يريد تدمير وطمس جنوبنا ومحو ملامحه ومعالمه ،، فإذا أنتم لم تفعلوا ، فلا تنتظروا من غيركم ان يفعل. تحياتي لكل أهلي في الجنوب ( فزان ) الحبيب.